يبدو أن تأليف ​الحكومة​ دخل مدار علم الغيب، فأكثر الملتصقين بحركة الاتصالات والمشاورات والمفاوضات الجارية بهذا الشأن حائرون في الإجابة عن الأسباب الكامنة وراء عدم ولادة الحكومة حتى الساعة، هل هي عوامل داخلية أم هي عوامل خارجية تتصل بالتطورات الحاصلة في المنطقة؟ والبارز في سياق توصيف المشهد الحكومي الراهن ما قاله الرئيس نبيه برّي أمام زوّار ​عين التينة​ بأنه لم يعد هناك كلام يقال، فالصدق خلص، والكذب خلص، شو بعد في ما بعرف.

هذا الكلام لرئيس ​مجلس النواب​ أضاء بشكل واضح على الدرك الذي وصلت إليه مشاورات التأليف لا بل إنه كاد يقطع الأمل من إمكانية ​تشكيل الحكومة​ في وقت قريب، ووصل إلى حدّ ترك هذا الأمر إلى معجزة ما تحصل وتنتشل الحكومة العتيدة من قعر بئر الخلافات التي تعصف بين أكثر من فريق سياسي حول الحصص والمعايير التي يجب إتباعها لبلوغ هدف التأليف.

كل ذلك والرسائل الدولية تصل تباعاً إلى بريد من يعنيهم الأمر، بأن استعجلوا أمر تأليف الحكومة، تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» ومؤتمرات دولية أخرى انعقدت لأجل مساعدة ​لبنان​ يحتاج إلى حكومة جديدة، والتأخير في الاستجابة لهذه الدعوات الدولية يعرض هذه المساعدات أو الهبات للخطر، وبالتالي يزداد الوضع الاقتصادي والنقدي سوءًا، لا بل إن فرص انعقاد مثل هذه المؤتمرات الدولية باتت مستحيلة ما دام لبنان يضرب ما طلب منه من إصلاحات بفعل الخلافات على التأليف عرض الحائط.

وبالرغم من إدراك جميع المسؤولين اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية حجم المخاطر المترتبة اقتصادياً من التأخير الحاصل في التأليف، فإن حبل التواصل بين المعنيين البارزين بأمر هذا التحالف ما زال مقطوعاً، اللهم إلا عبر بعض القنوات التي تشكّل العامل المطلوب لتأمين ولادة الحكومة العتيدة، والقصد من ذلك خط التواصل بين الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ ورئيس تكتل «لبنان القوي» ​جبران باسيل​، حيث يُجمع أكثر من معني بأن اللقاء بين الرجلين إن هو تمّ يذلل الكثير من الصعوبات خصوصاً وأن بعض زوّار ​قصر بعبدا​ نقلوا عن رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ قوله أن البعض يطالب بمقاعد تتجاوز حجمه في إشارة منه إلى «القوات اللبنانية»، ويدعوني لحث رئيس أكبر كتلة برلمانية للتنازل، وبذلك يلفت الرئيس عون النظر إلى أن الربط والحل في مسألة فك ما بات يعرف بالعقدة ​المسيحية​ هي عند الوزير باسيل ولا أحد سواه.

ما من شك أن كل فريق يقذف بكرة تعطيل التأليف إلى ملعب الآخر، وهذه اللعبة في علم السياسة خطيرة جداً، كونها تجعل كل طرف يعمل على قاعدة الكيدية التي لا توصل إلا إلى الحائط المسدود، على عكس فتح الحوار وتحمل المسؤولية الذي يؤدي إلى الجلوس على الطاولة ومقاربة المواضيع بهدوء عن طريق تبادل التنازلات للوصول إلى الهدف المطلوب وهو تأليف الحكومة.

إن من يرصد ما أطلق مع نهاية الأسبوع الفائت من مواقف إن على مستوى ما قاله الوزير باسيل في ​اليمونة​، أو ما قاله الوزير ​ملحم رياشي​، مروراً بالكلام الذي صدر عن الوزير ​طلال أرسلان​، وما سبقه من جملة مواقف للنائب السابق ​وليد جنبلاط​ وأعضاء «اللقاء الديمقراطي» يصل إلى خلاصة مفادها أن لا حكومة في المدى المنظور لا في أسبوع أو أسبوعين إلا في حالة واحدة أن يُقرّر المعنيون بـ«العقد» التي تحدث عنها الرئيس برّي التراجع عن مواقفهم والقبول بتبادل التنازلات في سبيل إخراج الحكومة من عنق زجاجة المطالب.

وفي هذا السياق تستغرب مصادر سياسية على صلة بما يجري من اتصالات ومشاورات هذا الجمود السلبي الذي يتحكم بأجواء التأليف، معربة عن اعتقادها بأن مرد ذلك ربما يكون لإستمرار الأفرقاء في التمترس وراء مطالبهم ورفضهم الإزاحة عنها ولو قيد أنملة لفتح ثغرة مهما كان حجمها في جدار هذه الأزمة والذي على ما يبدو يرتفع يوماً بعد يوم لما يشيع أجواء غير مشجعة عن مصير الحكومة التي يفترض أن تبصر النور في أقرب وقت ممكن.

وتسأل المصادر ألا يستأهل تجنيب لبنان الانزلاق إلى الهاوية بفعل ما يصيب الوضع الاقتصادي، وكذلك معالجة ملف ​النزوح السوري​، ومتابعة ترجمة مفاعيل المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان على أرض الواقع، أن يكون هناك حكومة مكتملة الأوصاف تضع يدها على ما تقدّم وتنقل لبنان إلى رحاب الاستقرار بدل الاستمرار في التأرجح والرقص على حافة الهاوية؟