منذ ان استلم مهامه كرئيس للولايات المتحدة الاميركية، لم يوفّر ​دونالد ترامب​ اي فرصة للهجوم على ​ايران​ ووضعها في موقف حرج. وعلى غرار ما فعله مع ​كوريا الشمالية​ حين ركّز عليها نيرانه الكلامية وتهديداته، اطلق ترامب صواريخ مواقفه باتجاه ايران وعمد الى رفع السقف عالياً حين انسحب من ​الاتفاق النووي​ مع الغرب، الذي كان للادارة الاميركية السابقة الفضل الاكبر في التوصل اليه.

منذ اشهر قليلة، عاد الدفء الى العلاقة الاميركية-الكورية الشمالية والتقى المسؤولَين عن البلدين بشكل مباشر ووصلت المسألة الى خواتيمها السعيدة. واليوم، يبدو ان ترامب يرغب في استنساخ التجربة الكورية على ايران، وهو قالها بوضوح انه مستعد لقاء الرئيس الايراني ​حسن روحاني​ دون شروط مسبقة، وانه ينتظر اتصالاً من الايرانيين، وهو لا يمانع في حال تم الاتصال او لم يتم. وفي ظل المعمعة والغموض في مواقف الرئيس الاميركي، لا يمكن البناء والتحليل على ما ينطق به، ولكن يبدو انه يتبع خريطة الطريق نفسها التي اوصلته الى بيونغ يانغ، انما الفارق بين البلدين ليس فقط جغرافياً، بل اعمق بكثير، وفق بعض النقاط ابرزها:

1-عانت كوريا الشمالية من "عزلة" دولية وكادت ان تكتفي بعلاقات غير ممتازة مع ​الصين​ و​روسيا​، فيما ايران تتمتع بعلاقات جيّدة مع ​اوروبا​، قبل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وبعده.

2-تسببت كوريا الشمالية بقلق وخوف كبيرين للقارتين الاميركية والاوروبية (وحتى الآسيوية) بسبب التجارب النووية التي اجرتها فترة تلو الاخرى، واحتمال اندلاع حرب نووية وشيكة، فيما لا يبدو ان هناك اي نوع من القلق في العالم حول امتلاك ايران للسلاح النووي (ما عدا التصريحات الاسرائيليّة) واستعماله اما بالتجارب او بشكل مباشر خلال النزاعات او الحروب، وذلك بشهادة ​الوكالة الدولية للطاقة الذرية​ ومفتشيها.

3-لم يعد هناك عوامل ثقة تربط ايران بترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي، وهناك مخاوف جدية لدى السلطات الايرانية من ان اي اتفاق قد يتم التوصل اليه مع الادارة الاميركية الحالية، يمكن ان ينتهي بقرار بسيط من الرئيس الاميركي، وبالتالي لن يجرؤ الرئيس الايراني على الدخول في مغامرة من هذا النوع خصوصاً مع وجود ضغوط كبيرة من الحرس الثوري الايراني والمحافظين لقطع الطريق امام اي مفاوضات مع الاميركيين بعد انسحابهم من الاتفاق النووي.

3-لم تملك كوريا الشمالية اي نوع من التواصل مع المسؤولين في الدول الكبرى بشكل مباشر، كما انها لم تضطلع بأي دور في مشاكل المنطقة والعالم، ولو انه تم اتهامها بتهريب وتقديم الاسلحة الى بعض الدول. في المقابل، برزت ايران على الساحة الاقليميّة من خلال الحرب في سوريا، وقد انقسمت الآراء حول هذا التدخل ومدى ايجابيته وسلبيته، ولكن رغم ذلك كانت قنوات الاتصال مفتوحة بينها وعدد من الدول الكبرى، ولا تزال.

4-على الرغم من قساوته، يبقى الوضع الاقتصادي الايراني افضل بكثير مما كان عليه الوضع في كوريا الشماليّة، ويراهن الاميركيون على التحركات الداخلية في ايران وهو امر لم يكن متاحاً في كوريا.

هذه النقاط تظهر بوضوح وجه الاختلاف في مقاربة الملفّات بين ايران وكوريا الشمالية، ولكن للرئيس الاميركي رؤيته الخاصة التي يعمل من خلالها على اتباع المنهج نفسه الذي استخدمه مع بيونغ يانغ ولاقى نجاحاً، وهو يعتبر ان العقوبات التي فرضها على ايران والتي تتصاعد وتيرتها ونتائجها، ستؤدي الى فتح قنوات الاتصال، فيما يعتبر الكثيرون ان ايران عرفت كيف تتخلص من فترة العقوبات القاسية جداً التي فرضت عليها سابقاً من قبل العالم اجمع، فيما هي اليوم اكثر راحة مع الجميع الا مع واشنطن.