كثُر الحديث، في الفترة الأخيرة، عن الواقع في منطقة "خفض التصعيد" في إدلب وريفها، لا سيما بعد نجاح ​الجيش السوري​ في إستعادة السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة، حيث ظهر سيناريوهان إلى الواجهة: الأول يشير إلى تحضير دمشق لعملية عسكرية نحوها، في ظل التهديدات الروسية المبطّنة على خلفية إطلاق الفصائل طائرات مسيرة نحو ​قاعدة حميميم​ العسكرية، في حين أن الثاني ينص على تولّي الحكومة التركيّة، بوصفها الجهّة الضامنة بموجب إتفاق آستانة، القضاء على جبهة "تحرير الشام"، المُصنفة منظمة إرهابية.

في تقرير سابق تحت عنوان: "إدلب بين المطرقة السورية وسندان التسوية التركية- الروسية"، كانت مصادر سياسية مطلعة قد كشفت، عبر "النشرة"، أن معالجة الواقع في إدلب يتطلب العمل على نار هادئة، بسبب الظروف الإقليمية المحيطة بهذا الملف، بالإضافة إلى تواجد أعداد كبيرة من المدنيين فيها، مرجحة أن تكون أمام إحتمالين، لا يتضمن أي منهما توجه دمشق نحو عملية عسكريّة كبرى، الأول يقوم على إطباق الجيش السوري على المحافظة، مع تحصين المناطق التي تقع على حدودها لمنع الفصائل المسلحة من القيام بأي هجوم عسكري جديد. أما الثاني فيستند إلى الضغط على أنقرة لتنفيذ إلتزاماتها في مؤتمر آستانة.

اليوم، تعود المصادر نفسها إلى الحديث عن تقدم الإحتمال الثاني، في الوقت الراهن، نظراً إلى أنها تعتبر أن أنقرة أمام الفرصة الأخيرة لتنفيذ إلتزاماتها في مؤتمر آستانة، لا سيما بعد مقررات مؤتمر سوتشي الأخير، حيث أكد وفد المعارضة، بالرغم من أن بنود البيان الختامي لم تتطرق إلى المصير الذي ستكون عليه إدلب بشكل واضح، أن مخرجات "آستانة 10" نصت على أن يمدد اتفاق إدلب بشكل أوتوماتيكي عند انتهائه، لكن مع ضرورة توقف الطائرات دون طيار التي تطلق باتجاه حميميم.

بالتزامن، تؤكد هذه المصادر أن النقطة المفصلية كانت إعلان الفصائل العسكرية العاملة في محافظة إدلب الإندماج ضمن تشكيل موحد تحت مسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، في حين غابت "​هيئة تحرير الشام​" وفصيل "جيش العزّة"، العامل في ريف حماة الشمالي، عن التشكيل الجديد، وتشير إلى أن أنقرة لم تكن بعيدة عن هذه الخطوة، خصوصاً أن الإعلان عنها جاء بعد إجتماع قادة الفصائل مع مسؤولين أتراك، حيث تسعى إلى أن تبقى المقرر الرئيسي فيها، من خلال الحفاظ على وجود منطقة "خفض التصعيد".

في هذا السياق، تشدد المصادر السياسية المطلعة على أن الهدف الأساسي من التشكيل الجديد العمل على عزل "هيئة تحرير الشام" كمقدّمة لإنهاء وجودها، سواء كان عبر إنشقاقات في داخلها تدفعها إلى حل نفسها أو عبر عملية عسكرية تقوم بها الفصائل المعارضة مدعومة من ​تركيا​، وتلفت إلى أن المهلة لإنجاز هذه المهمة لن تكون مفتوحة، نظراً إلى أن موسكو تريد الإنتهاء منها بأسرع وقت ممكن، في حين أنه في حال عودة أنقرة إلى سياسة المماطلة، التي كانت تعتمدها سابقاً، ستعني إرتفاع أسهم الإحتمال الثاني من جديد، كما حصل مؤخّراً في درعا والقنيطرة، اللتان كانتا من ضمن مناطق "خفض التصعيد".

في المحصّلة، تؤكد هذه المصادر أن المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، حيث من الصعب نقل العناصر التي قد ترفض التسوية إلى مكان آخر، في حين أن تركيا لن تكون قادرة، ومعها الفصائل التي تدور في فلكها، على التغاضي عن وجود "تحرير الشام" والجهات الأخرى التي تدور في فلك تنظيم "القاعدة"، وتضيف: "القرار سيكون عند زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني بالدرجة الأولى، لحسم أمره، في الأيام القليلة المقبلة، سواء بالنسبة إلى الدخول في مواجهة مفتوحة أو بالتسليم بالأمر بالواقع الجديد، والتواري عن الأنظار برفقة قيادات الصف الأول من الهيئة".