من يلتقي الذين زاروا ​قصر بعبدا​ في الساعات القليلة الماضية ويستمع الى انطباعهم حول العديد من الامور التي يدور لبنان في فلكها، يستنتج ان كل ما يقال عن يأس وطرق مسدودة وتخبط لبناني في مستنقعات، هو مجرد كلام، وان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ مدرك لكل ما يجري بتفاصيله، ولكنه يقارب الامور بواقعية وموضوعية تفرض واقع الصعوبة ولكنها لا تصل الى حد اليأس والاستسلام.

ويكاد زوار بعبدا يتمنون لو كان كل لبناني مكانهم ليطلع على ما يدور في فكر الرئيس عون وكيفية تحضيره لمعالجة الامور بعيداً عن العاطفة والحماس الزائدين. بداية، يؤكد الزوار ان رئيس الجمهورية واقعي لجهة ادراكه ان الحكومة لن تبصر النور بين ليلة وضحاها، وان رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ لم يستطع بعد التخلص من قيود الشروط الموضوعة من قبل اطراف واحزاب جعلته محاصراً (مع تسجيل نوع من العتب الكبير على شخصيّة كانت توصف بأنها بيضة القبان لكنها رفعت السقف عاليا جدا هذه المرة)، ويزيد الزوار على هذا الكلام تشبيهاً وصفوه لوضع الحريري باستذكار محاصرته في ​السعودية​ يوم أُجبر على الاستقالة.

واستشفّ الزوار انفسهم ان العوائق امام الحكومة ليست داخلية فقط، انما لها امتدادات خارجية ايضاً، وهذا ما يزيد من صعوبة المهمة، وان طريقة معالجة رئيس الجمهورية للمسألة لا تعتمد على السحر انما على الدستور بكل تفاصيله وكل ما يسمح من خلاله للرئيس القيام به ضمن صلاحياته، وهو (اي الرئيس) لن يبخل ببذل كل جهد ممكن في سبيل الوصول الى حل في هذا السياق.

وينقل الزوار عن الرئيس عون ايجابية كبيرة في ما خص امكان عودة ​النازحين السوريين​ الى ​سوريا​، واعتباره المبادرة الروسية جدّية، انما يشدد على اهمية التعاون الدولي معها لتأمين الاموال اللازمة لان العودة بالنسبة الى النازح ليست بالامر السهل، فمنزله قد يكون مهدماً او شبه مهدم، وهو بحاجة الى ارضية يستند اليها لاستعادة حياته الطبيعية. ووفق ما يقوله الزوار، فإن رئيس الجمورية يقارب المسألة من منظار وطني وانساني ايضاً، وانه يملك معطيات تفيد بأن الضمانات التي اعطتها الحكومة السورية صادقة ورغبتها في استقبال النازحين جدية، وهو يعوّل على هذا الامر لانه اساس اي منطلق لعودة كل من غادر ارضه قسراً، وليقينه ان العودة لا تصب فقط في مصلحة لبنان بل ايضاً في مصلحة النازح وبلده. ويؤكد الزوار ان رئيس عون سيحمل هذا الهمّ وهذه الصرخة الى البرلمان الاوروبي والامم المتحدة والقمة الفرانكوفونية، اضافة الى همّ آخر يحمله معه بشكل دائم هو تحويل لبنان الى مركز حوار للاديان والحضارات، خصوصاً في ظل العنصرية المتطرفة التي جسّدتها ​اسرائيل​ اخيراً باقرار قانون "يهودية الدولة" ومساعيها الدائمة لتهويد القدس وتغيير هويتها، ناهيك عن اطماعها الدائمة بلبنان وموارده الطبيعية والتي لن تحصل عليها مهما حاولت.

ويتابع زوار بعبدا نقل انطباعاتهم، فيتحدثون بطمأنينة كبيرة عن الوضع الامني في لبنان، وعن الايجابية الكبيرة لتعامل الجيش وقوى الامنية مع التهديدات الخطيرة التي نجح الوطن في تخطيها، عبر تنسيق امني مميز بين مختلف الاجهزة، وان عمل الجيش والاجهزة سيستمر في كل المناطق اللبنانية دون استثناء، وما شهدناه من عمليات للجيش في البقاع، سيتواصل وسيتعزز لان هذه المنطقة لبنانية ولن تترك للخارجين عن القانون. ويتفاءل الزوار بحصول الجيش على تجهيزات عسكرية حديثة، بعد الاداء الاحترافي الذي ظهر به والثقة العالية التي فرضها على دول العالم، مشيراً الى ان المساعدات العسكرية لن تقتصر على دولة محددة، وقد تلعب فرنسا دوراً مهماً في هذا المجال كما فعلت من قبل.

مواضيع كثيرة يتحدث عنها زوار بعبدا باندفاع وبلهجة تختلف تماماً عما نسمعه بشكل يومي، فيحدوك الامل مجدداً بأن هناك من يدرك خطورة الاوضاع ويتعاطى معها بموضوعية وعقلانية، والاهم انه يمكنه احداث التغيير المنشود.