حاول رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ في الأسابيع الأولى من عمليّة التكليف،تمرير عملية التشكيل بسرعة وسلاسة مستفيدين من انشغال القوى الاقليمية والدولية بصياغة تفاهمات سرعان ما وجدت صداها على الأرض سواء في المنطقة الجنوبية أو من خلال حركة الأكراد باتجاه ​النظام السوري​ في دمشق. لكن اصرار بعض القوى اللبنانية على رفع سقف مطالبها مستفيدة من دعم خارجي أُبلغت به مرارا وتكرارا عبر أكثر من قناة، كما تمسك قوى أخرى بحقّها بترجمة فوزها في الانتخابات وما تعتبره انتصارا للمحور الذي تنتمي اليه عبر التشكيلة الحكومية ​الجديدة​، كلها عناصر أحبطت مهمة عون–الحريري التي بدت مسهّلة في بداية الطريق، وأدخلت البلاد في مراوحة الأرجح أن تتحول قريبا الى قاتلة، بعدما بات واضحا أن الحكومة علقت في نفق التطبيع مع سوريا ما سيجعلها أسيرة الصراع المحتدم في المنطقة وخواتيمه التي لا يبدو أنها ستكون قريبة أو سعيدة.

وبحسب مصادر معنيّة في عملية التشكيل، انتقلت العقد من كونها محليّة ومحصورة الى حدّ بعيد بموضوع التمثيل المسيحي والدرزي الى كونها عقد اقليمية، لن يكون اللبنانيون بعد اليوم قادرين على حلها حتى لو اتفقوا على ذلك، فالقطار فاتهم بعد أن انتظرهم لوقت ليس بقصير، وهو على الأرجح لن يعود قريبا خوفا من ألغام متعددة زُرعت على سكّته ولعلّ أبرزها لُغم تطبيع العلاقات اللبنانية–السورية.

فقد حزم الفرقاء اللبنانيون أمرهم في هذا المجال، واصطف "​التيار الوطني الحر​" الى جانب "الثنائي الشيعي" المتمثل ب​حزب الله​ وحركة "أمل" وحلفاء دمشق لخوض المواجهة بوجه مكونات ما كان يعُرف بفريق 14 آذار وأبرزه تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية" والحزب "التقدمي الاشتراكي". فالفريق الأول، أعلن صراحة التخلّي عن ​سياسة النأي بالنفس​ والسير، بحسب مصادره، "بما تقتضيه المصلحة اللبنانية العليا"، وهو يعتبر ان "الاستمرار باعتماد سياسة النعامة، لا يخدم بشيء هذه المصلحة لا بل يضرّ بها أشد ضرر". وتضيف مصادره:"لا اعادة النازحين السوريين الى بلدهم ممكن أن تتم من دون التنسيق الجدّي مع سوريا، ولا تنشيط التجارة عبر المعابر البريّة قابل للتحقق من دون فتح قنوات حوار مباشر مع دمشق، فهل نسمح لفريق يتلقى تعليمات خارجية من محور خاسر في المنطقة بتهديد ملفّين بهذا الحجم، الاول مصيري، والثاني قادر على النهوض بالبلد بعد 7 سنوات من الركود الاقتصادي المميت"؟.

وتماما كما يبدو الفريق الأول حاسما وحازما بقراره السير قدما باعادة العلاقات اللبنانية–السورية الى سابق عهدها، كذلك يتمسك الفريق الثاني بموقفه الذي يصفه بـ"المبدئي" مستهجنا "الدفع باتجاه أن يكون لبنان أول من يرتمي في الحضن السوري بعد كل الصفعات التي تلقاها منه على مرّ السنوات". وتشدّد مصادر هذا الفريق على وجوب انتظار الحل النهائي للأزمة السورية قبل اتخاذ لبنان الرسمي أي خطوة في اتجاه دمشق، لافتة الى أن "أيّ قرار في هذا المجال يجب أن يصدر عن الحكومة اللبنانية لا أن يُفرض على نصف اللبنانيين من خلال عمليّة تسلّل ينفّذها حلفاء سوريا في الوقت الضائع، بناء على ضغوط واضحة يمارسها النظام السوري باطار سعيه لاستعادة دوره في لبنان".

وفي ظل هذا الانقسام العمودي الكبير ذي الأبعاد الاقليمية–الدولية، تكون البلاد قد دخلت عمليًّا مرحلة جديدة من الصراع وفي أزمة من دون أفق، ستدفع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة المكلف قريبا لاتخاذ تدابير واجراءات لادارة الأزمة بانتظار الفرج.