في ظلّ التعثّر المُستمرّ على طريق تشكيل الحُكومة، وفي الوقت الذي تصدر بين الحين والآخر مواقف مُنتقدة لهذا الفريق أو ذلك، تتسرّب من خلف إجتماعات الأبواب المُغلقة، إتهامات قاسية مُتبادلة بين العديد من الأفرقاء المعنيّين بمسألة التأليف. والنقاط التالية نماذج عن جزء منها:

أوّلاً: يتّهم "التيّار الوطني الحُرّ" حزب "القوات اللبنانيّة" بالتفريط بحصّة رئيس الجمهوريّة الوزاريّة، وهو عُرف غير منصوص عليه في الدُستور كان قد بدأ مع رئيس الجُمهوريّة الراحل إلياس الهراوي، وإستمرّ مع الرئيسين الأسبق العماد إميل لحود والسابق العماد ميشال سيلمان، وذلك من خلال مُطالبة "القوّات" بحصّة وزاريّة مُضخّمة لا يعود معها من المُمكن إعطاء الرئيس مجموعة وازنة منالوزراء، بينما تردّ "القوّات" بأنّ على "التيّار" الحريص على تثبيت عرف حصّة رئيس البلاد، الإكتفاءبحصّة مُوازيّة لحصّة "القوّات"–كما جاء في المُلحق السرّي لتفاهم معراب، وترك ثلاثة وزراء للعماد عون، خاصة وأنّ المُمارسة أثبتت أن لا فرق ولا تفريق بين وزراء "التيّار" و"الرئيس" في حُكومة تصريف الأعمال الحاليّة.

ثانيًا: تتّهم "القوّات" "التيّار" بالإيحاء أمام الرأي العام بأنّه لا يُمانع منحها "وزارة سياديّة"، لكنّه يُحاول في الواقع الإيقاع بين "القوات" و"تيّار المُستقبل"، لأنّه مُتمسّك بوزارة الخارجيّة من حصّة "الوطني الحُرّ" وبوزارة الدفاع من حصّة رئيس الجُمهوريّة (مُستعد أن يبادل إحداها في حال نيل وزارة سيادية اخرى مقابلة)، ويعرف تمامًا أنّ "الثنائي الشيعي" مُتمسّك بوزارة الماليّة، ما يعني أنّه لا يُمانع نظريًا بأن يتنازل "المُستقبل" عن "وزارة الداخليّة" لصالح "القوّات" وهو خيار من شأنه أن يُضعف وُجود "التيّار الأزرق" في السُلطة ككل، ومن شأنه أيضًا أن يُوجد خللاً في التوازنات السياسيّة العامة. ويردّ "التيّار" بأنّه غير متمسّك بأي وزارة، لكنّ من حقّه أن ينال إحدى الوزارات السياديّة، كونه الكتلة الأكبر في ​مجلس النواب​ والأكبر مسيحيًا، ومن حقّ رئيس الجمهورية بدوره أن ينال وزارة سياديّة للتعويض–ولوّ جزئيًا عن النقص في السُلطات التي تُركت له بعد "​إتفاق الطائف​". وتقول "القوّات" إنّه لو كانت نيّة "التيّار" إيجابيّة إزاءها في هذا الملف، لجرى تكرار المخرج الذي إعتمد عند تشكيل الحُكومة الحالية، والذي قضى في حينه بمنح "القوات" منصب نائب رئيس الحُكومة لحلّ هذه المُشكلة، بينما يقول "التيّار" إنّ العرف المُتبع في تاريخ لبنان الحديث قضى بأن ينال رئيس الجُمهوريّة هذا المنصب، وأي تنازل عنه يكون بقرار من الرئيس وليس كشرط مفروض من أي جهة.

ثالثًا: يتّهم "الوطني الحُرّ" "المُستقبل" بالتأثّر بضُغوط خارجيّة تدعوه إلى المُماطلة وبالتشدّد في حصصه وحصص بعض القوى الحليفة له، وبتبنّي مطالب مُضخّمة وغير واقعيّة من جانب كل من حزبي "القوّات اللبنانيّة" و"التقدّمي الإشتراكي" بالتحديد، بينما يردّ "المُستقبل" بأنّ "الوطني الحُرّ" يُحاول فرض أغلبيّة من 11 وزيرًا لكل من رئيس الجمهوريّة و"التيّار"، على حساب إضعاف تواجد كل من "المُستقبل" و"القوّات" و"الإشتراكي" على طاولة مجلس الوزراء.

رابعًا: يتّهم "تيّار المُستقبل" "الوطني الحُرّ" بالعمل على الإلتفاف على سُلطات واضحة ممنوحة لرئيس الحُكومة، لجهة أخذ الوقت الكافي لتشكيل حُكومة من دون مُهل وتهديدات بسحب تفويض التأليف منه ومن دون التلويح بفرض حُكومة أكثريّة في حال عدم الخُضوع لمجموعة من الشروط، بينما يردّ "التيّار" أنه لا ينتزع صلاحيّة أحد، ولكنّه يرفض في الوقت عينه التعامل مع رئيس الجُمهورية كمجرّد مُوقّع للمُعاملات لا كلمة مسموعة له في عمليّة التأليف، ويرفض أيضًا إفشال العهد الرئاسي للعماد عون عن طريق المُماطلة والتسويف وعدم تشكيل حُكومة بسرعة لتلبية مطالب الناس الحياتيّة الضاغطة.

خامسًا: يتّهم الحزب "الإشتراكي" "الوطني الحُرّ" بالتدخّل في الشؤون الدُرزيّة الداخليّة، وبمحاولة تشويه نتائج الإنتخابات النيابيّة، من خلال وضع اليد على ثلث الحصّة الدرزيّة الحُكوميّة علمًا أنّ الحزب "الإشتراكي" يُسيطر على 7 من أصل 8 مقاعد نيابية وهو كان تعمّد ترك المقعد الثامن شاغرًا، ومن حقّه أن يكون مُمثّل الطائفة الدُرزيّة في الحُكومة إنطلاقًا من نظريّة "التيّار" نفسه، لجهة تمثيل الأقوى في طوائفهم ومذاهبهم، ويعتبر "الإشتراكي" أنّ كتلة "ضمانة الجبل" هي كتلة مُصطنعة يجري إحتساب نوابها تارة ضُمن كتلة مُستقلّة لصالح رئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" الوزير طلال أرسلان، وطورًا ضُمن كتلة "التيّار الوطني الحُرّ" العامة. في المُقابل، يردّ "التيار" أنّ زمن الأحادية السياسيّة في "الشوف – عاليه" إنتهى، وأنّ تحالف "التيّار"–"الحزب الديمقراطي"أنتج كتلة نيابيّة من أربعة نوّاب من أصل 13 نائبًا، ومن حقّها التمثّل في الحُكومة.

سادسًا: يتبادل الأفرقاء المعنيّون بالتأليف الإتهامات بشأن إنتظار مُعطيات خارجية تقلب المشهد الداخلي، حيث يعتبر كلّ من الثلاثي "المُستقبل" و"القوات" و"الإشتراكي" بأنّ الأفرقاء الآخرين ينتظرون تطوّرات إقليميّة لفرض مشيئتهم في عمليّة تشكيل الحُكومة من دون السماح لأحد بالإعتراض. في المُقابل، يعتبر هؤلاء أنّ "الثلاثي" المذكوريرفع سقف المطالب بناء على توجيهات خارجيّة، لتوظيف ملف تشكيل الحُكومة اللبنانيّة ضُمن التسويات الإقليميّة المُرتقبة.

في الخُلاصة، وعلى الرغم من مُحاولة كبار المسؤولين الإيحاء ببعض الأجواء الإيجابية بين الحين والآخر، ونفي التسريبات التي تتحدّث عن خلافات عميقة، فإنّ ما يُقال خلف الأبواب المُغلقة، وما يتسرّب من إتهامات مُتبادلة خلال الإجتماعات الحزبيّة لمُختلف الأطراف، يُؤشّر إلى وضع سلبي من دون أفق حلّ في المدى المنظور. وبالتالي، ما لم يتمّ التعامل مع الموضوع الحكومي عبر مُقاربات جديدة مبنيّة على إستعداد مُختلف الأفرقاء لتقديم تنازلات مُتبادلة، فإنّ التعثّر سيبقى سيّد الموقف والتصعيد في المواقف آت لا محالة.