لم يكن أحد يتوقّع أن يتوسع الشرخ فجأة بين "​حزب الله​" وحركة "أمل" إلى هذا المستوى، الذي انعكس هجمات متبادلة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. ليس السبب محصوراً بتباين وجهات النظر حول باخرة "اسراء سلطان" التي رفضت الحركة ان ترسو في الزهراني، بل هناك أزمة تتمدد يوماً بعد يوم، بدأت معالمها تطلّ منذ ما قبل ​الانتخابات النيابية​، لكن تصرف القيادتين إستوعب الأزمة المتدرّجة في العلاقة بين جمهوري الفريقين، فأظهر اجتماع رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ والأمين العام لحزب الله ​السيد حسن نصرالله​ توثيق التحالف بينهما، لكن جاءت تغريدة النائب اللواء ​جميل السيد​ تستهدف بري، وتثير "خطابا بقاعيًّا-جنوبيًّا"، فإعتقد مناصرو "أمل" أنّ الحزب أوعز للسيّد بالهجوم، وهو ما ثبت عكسُه لاحقاً، بعدما تبيّن أنّ الحزب تضرّر ايضاً من كلام السيّد.

يقول مراقبون إن "صراعاً داخلياً يجري بين وجهتي نظر داخل قيادة الحزب: احدها تدعو إلى فصل التحالف السياسي مع الحركة عن الملفّات الاجتماعية، والثانية ترى وجوب التماسك بينهما بكل تفصيل، لمنع تسلل خصوم الطرفين الى الساحة الشيعية". غير أن المعطيات لا توحي "بالسمن والعسل" بين الحزب والحركة.

فخلال الانتخابات النيابية وعد "حزب الله" جمهوره بالمضي في مكافحة الفساد، بعدما رصد نقمة شعبية جرّاء توسّع الازمات الإجتماعية. يعتقد أصحاب الرأي الأول في الحزب بضرورة تسمية الأمور بأسمائها، وعدم مراعاة حركة "أمل"، أو اي حليف آخر، "لأن الناس تصرخ وجعاً". فإستند اصحاب هذا الرأي الى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة للقول في مجالسهم أن الحزب يجب ان ينال ادارياً وخدماتياً ثلثي الحصص الشيعية، بينما تكون حصة الحركة الثلث فقط، لا النصف، "فلم يعد بمقدور قيادات الحزب القول للمواطنين الذين يطلبون الخدمات، ان الحركة هي المسؤولة عن أي خدمة وأي تقصير، بينما بات الفريقان في الواقع، يتشاركان في المحاصصة السياسية والادارية والخدماتية.

امّا اصحاب الرأي الثاني، فيستندون الى ضرورة منع الانقسام الجماهيري بين الفريقين، "لأن هناك من يتربّص بالساحة الشيعيّة في الخارج والداخل، فإذا تمدّد الشرخ، دفع الحزب ثمنه أولاً". وهو أمر لمسه الحزبيون في نزاع "التواصل الاجتماعي" الذي كاد يولّد مواجهة، مسنودة بتحليلات سياسيّة، إستدعت إجتماعاً عاجلاً بين قيادتي الفريقين، واصدار بيان لم الشمل.

لكن المفارقة بدت خلال الساعات القليلة التي سبقت الاجتماع، فكان احد اركان الحزب النائب ​نواف الموسوي​، يصوّب على الحركة، من بوابة صور، بإنتقاده توسيع الكورنيش، واعتباره "ردما للبحر". المشكلة

هي بين بلدية صور المحسوبة على الحركة، و"حزب الله" الذي يعاند البلديّة في مشاريعها، فتدخّلت الوزيرة ​عناية عزالدين​ لمؤازرة بلدية صور، ونفي وجود ردم للبحر.

كانت قيادتا الطرفين في السابق، تطوّقان أي خلاف بشكل سريع، لكن التباينات صارت تتوسع على التواصل الاجتماعي بسرعة، من دون أيّ تدخل فوري. هذا الامر يعني أن الخلاف أيضا حاصل على مستوى قيادتي الحزب والحركة، لا فقط على صعيد الصفحات الافتراضية.

بالنسبة الى خصوم الفريقين، بدأت حملة الإستفادة من نزاع "الثنائي"، والترويج لأنباء وشائعات عن صراع قوى في صفوف الحزب، بعد إتهامات لبعض قيادييه بالفساد، ما فرض توقيفات داخله لمتورّطين، أو إبعاد آخرين عن مسؤولياتهم. تجري الاتهامات في ذروة التضييق الأميركي على ​إيران​ لمنع تمويلها "حزب الله" في لبنان، بينما الضغط الأميركي نفسه على ​روسيا​، سيجبر الحزب على الخروج من ​سوريا​. كل ذلك، يوحي لخصوم "حزب الله" انه سيعاني في المرحلة المقبلة من "الجفاف المالي"، وسيجعله يتوجه الى تأمين مداخيل داخلية، ما يؤدي الى الاصطدام بمصالح حركة "امل".

ويقول خصوم "الثنائي" إن الجمهور الشيعي بات ساخطاً على وزراء ومسؤولين في حركة "امل"، نتيجة اتهامات لهم بإرتكابات وتجاوزات، علماً ان بري عاقب احد قيادات الحركة الذي يتبوأ منصباً مصرفياً، وطرده من دون ضجة، بسبب ارتكاباته المالية. لكن رئيس المجلس النيابي يغض النظر عن اتهامات لبعض وزرائه بإرتكابات يتحدث عنها الإعلام بشكل يومي.

بجميع الأحوال، رغم كل المساعي، لا يبدو وضع "الثنائي الشيعي" مطمئناً، وهو ما ترصده سفارات وعواصم، لاعتقادهم أن الحرب العسكريّة لم تهزّ الجسم السياسي الشيعي، لكن الازمات الاجتماعية قادرة على سحب الثقة الجماهيريّة منه. فهي الحرب على طريقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب: حصار اقتصادي وتضييق مالي، من دون ضربة كف.