في الشكل، انتهى الاشتباك "الكهربائي" الأخير بين "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" في غضون ساعاتٍ فقط من نشوبه، بعد مسارعة قيادتي الحزبين إلى "احتوائه" من خلال إصدار بيان مشترك أكدتا فيه "متانة التحالف" بينهما، ردّاً على كلّ ما تمّ تداوله عن "خلافٍ" قد يكون الأول من نوعه منذ سنواتٍ طويلة.

لكن، أبعد من الشكل، ثمّة من يقول إنّ "الاشتباك" لم ينته فصولاً، أو بالحدّ الأدنى، هو لم يُزَل من "النفوس"، ما دفع الأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ للدخول شخصياً على خطّه في خطابه الأخير، علماً أنّ بعض "الاستفزازات" استمرّت عبر وسائل التواصل حتى بعد خطاب نصر الله ولو تلميحاً.

وإذا كانت "ذيول" الاشتباك ظاهرة عند "المؤيدين" أكثر منها عند "المحازبين" من الجانبين بطبيعة الحال، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عن مآل العلاقة الثنائية "المحسودة" من قبل البعض، وما إذا كانت تمرّ فعلاً بمفترق طرق حقيقيّ...

"وحدة حال"؟!

أن يدخل الأمين العام لـ"حزب الله" شخصياً على خط اشتباك "افتراضي" بين القاعدتين الجماهيريتين لثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، دليلٌ على أنّ ما حصل بين جماهير الحزبين على خلفية باخرة الكهرباء التي "مُنِعت" من الرسوّ في الزهراني، لم ينتهِ فصولاً، ودليلٌ على أنّ "الشحن" الذي شهدته "جبهات" وسائل التواصل لم يكن مجرّد "اختلاف بسيط" في وجهات النظر كما يحاول البعض تصويره للتقليل من شأنه.

لا شكّ أنّ السيد نصر الله أراد، من خلال منحه هذا الموضوع حيّزاً غير بسيطٍ من خطابه الأخير لمناسبة ذكرى الانتصار في ​حرب تموز​ 2006، توجيه أكثر من رسالة على أكثر من خطّ، خصوصاً أنّ ثمّة من يقول إنّ ملف الكهرباء لم يكن سوى "القشّة التي قصمت ظهر البعير" كما يُقال، على اعتبار أنّ تحالف الثنائي الشيعي الأكثر من متين لدرجة "يحسدهما" عليه "خصومهما"، لا يبدو كذلك شعبياً، وهو ما فضحته وسائل التواصل في أكثر من محطّة ومناسبة.

برأي كثيرين، كان يمكن للسيد نصر الله تجاوز الموضوع وكأنّه لم يكن، خصوصاً أنّ قيادات الحزب والحركة سبق أن أدلت بدلوها للملمة ذيول ما حصل، سواء من خلال الاجتماع المشترك بين القيادتين والبيان "المدروس" و"المُتقَن" الذي صدر في نهايته، أو من خلال التصريحات التي خرجت عن بعض نواب وقياديي الحزب في ما بعد، والذين حرصوا على "تفهّم" موقف "أمل" من ملف الكهرباء، واعتباره مستنداً إلى "مبدئية" معيّنة.لكنّ الأمين العام لـ"حزب الله" لم يفعل ذلك، لأنّه يدرك أنّ المطلوب وضع حد نهائي لهذا الاشتباك، وليؤكد من جديد ما يسمّيه "وحدة الحال" مع "حركة أمل"، مستفيداً من مناسبة الخطاب، ليذكّر بالدور الذي لعبه رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ في حرب تموز.

"قلق جدّي"

انطلاقاً ممّا سبق، يمكن القول إنّ السيد نصر الله أراد أن يتفادى أيّ تجدّد للاشتباك بين "حزب الله" و"أمل" بأيّ شكلٍ، للتبرؤ مسبقاً منه، وأراد أن يوصل رسالة لكلّ من يعنيه الأمر أنّ "الفتنة" داخل "البيئة الحاضنة" للحزب هو خط أحمر، هو الذي سبق أن خاطر بعلاقته مع أقرب حلفائه، "​التيار الوطني الحر​"، والذي لا يشكّ أحد في مدى حاجته للغطاء الذي يؤمّنه له، للحفاظ على علاقته مع بري و"أمل"، التي تبقى الأساس بالنسبة إليه، بعيداً عن كلّ الحسابات الداخلية الآنية، من كهرباء ومياه وحتى حكومة ونيابة، نظراً إلى أنّ أيّ "ضرر" يمكن أن ينتج عن تكرار الخلاف قد يطيح بالكثير من المكتسبات التي لا يريد أن تكون خاضعة لأيّ "مقايضة" أو "بازار".

برأي كثيرين، لم يقدّم السيد نصر الله جديداً نوعياً على هذا الصعيد، فتأكيده على العلاقة "المتينة" مع "أمل" أتى بمثابة تأكيد المؤكد، باعتبار أنّه لا يخفى على أحد حرصه على عدم تعكير صفو العلاقة مع الحركة، رغم الكثير من الاختلافات، حتى في بعض الأمور "المبدئية". إلا أنّ الرجل أضاء من خلال موقفه هذا على "أزمة" أخرى، بدأ يعاني منها الحزب جدياً، بل بدأت تشكّل "قلقاً جدياً" بالنسبة له، وهو حرص في هذا السياق على توجيه "اللوم" إلى الناشطين عبر وسائل التواصل، خصوصاً منهم أولئك المؤيدين الذين يضرّون أكثر ممّا ينفعون.

قالها نصر الله بوضوح. في السابق، كان هناك بعض وسائل الإعلام التي يمكن "التفاهم" معها في أيّ حال من الأحوال، سواء "شوّهت" موقف الحزب، أو ذهبت بعيداً في "المزايدة" عليه. لكنّ هذا الأمر لم يعد مُتاحاً اليوم، بعدما تحوّلت وسائل التواصل إلى منبر للجميع من دون استثناء، وبالتالي أصبح الأمر وكأنّه بات لكلّ "ناشطٍ" عبر وسائل التواصل، وسيلة إعلامه الخاصة.

لم يكن نصر الله يقصد بكلامه فقط "الأزمة" الأخيرة التي أثارها البعض بين "حزب الله" و"أمل"، خصوصاً من ذهب منهم بعيداً من دون حفظ أيّ خطٍ للرجعة. ليس من المبالغة القول إنّ نصرالله كان يشير خلف السطور إلى ما تشهده وسائل التواصل من حملات افتراضية يطلقها بعضٌ ممّن يحسبون أنفسهم عليه، فيضرّون به، بعيداً عن نظرية "توزيع الأدوار" التي يستخدمها البعض بما يشبه نظرية "المؤامرة" الشهيرة.

ولعلّ خير مثالٍ على ذلك أنّه حين ينأى "حزب الله" بنفسه عن الدخول في بعض المتاهات، يجد من يفعل ذلك باسمه على وسائل التواصل وبأرخص الأساليب وأكثرها ابتذالاً، بل ثمّة من يصنّف نفسه ممثلاً للحزب عبر هذه الوسائل، ولا يتوانى عن توجيه الشتائم والإهانات لكلّ من يحمل رأياً مختلفاً أو متمايزاً، بما يكرّس الصورة النمطية المُعطاة للحزب، التي يمكن أن تحتمل الصواب والخطأ، فإذا بالبعض يؤكدها، عن حسن أو سوء نيّة، وعن حسن أو سوء تقدير.

الخصم الأشدّ

قد لا تكون المرّة الأولى التي يختلف فيها "حزب الله" و"أمل" وقد لا تكون الأخيرة، لكنها لا شكّ من أكثر المرّات التي يصل فيها "الاحتقان" إلى "أوجه"، والفضل ربما يعود إلى وسائل التواصل التي فضحت ما كان مستوراً في السابق.

صحيحٌ أنّ الأمر لا يمكن أن يوصل إلى كسر "التفاهم الثابت" بين الجانبين، والذي لا يبدو معرّضاً للكسر في المدى المنظور، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّه دلّ على "خلل ما" في العلاقة، ثبّتته وسائل التواصل، "خلل" للمفارقة لم ينتهِ فصولاً بعد خطاب نصر الله، بل وجده البعض "فرصة" لـ "تصفية الحسابات".

وبين هذا وذاك، يبقى الواضح أنّ الرجل نقل السجال إلى مستوى آخر، مستوى قد يصل إلى اعتبار وسائل التواصل الافتراضية خصماً أشدّوأرفع شأناً من أعتى الخصوم السياسيين وأكثرهم بعداً عنه...