في خطاب "النصر"، حاول الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​ الإضاءة على مجمل الملفات المهمة، من الشق ال​اسرائيل​ي، الى الوضع الإقليمي، واخيرا الملف الداخلي اللبناني بشقّيه، السياسي والاجتماعي.

الشق الخارجي

كما في كل خطاب يرفع السيد نصر الله من مستوى التهديد للجيش الاسرائيلي، وكشف بأن هذا الجيش يعدّ الخطط لمواجهة "احتمال دخول ​المقاومة​ الى الجليل"، وفي ذلك اشارة مهمة الى "مكانة" تهديدات نصر الله في نفوس الاسرائيليين. ليست المرة الاولى التي يشير فيها السيد الى تعاظم قوة حزب الله، ولكن قوله بأن الحزب أقوى من الجيش الاسرائيلي فهو بكل تأكيد يوصل رسالة الى الاسرائيليين بأن حزب الله بات اليوم يملك سلاحا نوعيا لم يكن موجودا لديه منذ فترة قريبة.

يُفهم من خلال الخطاب الموجّه الى اسرائيل بأن سلاح الردع الأقوى قد أصبح بيد الحزب، علما أن الجيش الاسرائيلي بات يعلم بأن الحرب المقبلة "إن حصلت" ستكون مغايرة لما عايشته اسرائيل في السنوات الماضية. لذلك يعمد السيد نصرالله الى "رمي" ورقة قوّة جديدة في وجه تل ابيب في كل فترة، تُربك قادتها وجيشها، وتؤخر حربا لو كانت بيد الاسرائيليين لخاضوها منذ زمن، وتحديدا في تلك السنوات التي كان فيها حزب الله مشغولا في سوريا.

من ناحية ثانية، لم يتطرق السيد نصر الله في حديثه الى تفاصيل الاتّفاق الذي يُرسم في سوريا، والذي أنتج في وقت سابق إبعاد الأسلحة الثقيلة 85 كيلومترا عن الجولان المحتل، انما لا شك بأن الحزب قد اقترب من إعلان النصر على الإرهاب هناك، وباتت إمكانية عودته الى لبنان قريبة. هذا ما أراد السيد نصر الله قوله عندما تحدث عن انتصار لمحور المقاومة في سوريا والعراق وصمود في اليمن، ولكنه يعلم بأن الفصل الاخير من "​الحرب السورية​" يُكتب الان، لذلك لن يستبق إقفال الكتاب، بل دعا الى التحضّر لهذا الإعلان.

الشق الداخلي

بعد مرور السيد نصر الله على الوضع الاقليمي دون الغوص فيه لعدم وضوح الخاتمة بعد، دخل الى لبنان من بابه الحكومي، فقال بضع كلمات ردا على مواقف رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ بشأن العلاقة مع سوريا: "نأمل ان يؤدي الحوار الى ​تشكيل الحكومة​ ونؤكد على تجنب الشارع، ونحرص على الامن والامان في لبنان، واذا كان هناك اي احد يراهن على متغيرات اقليمية تؤثر على تشكيل الحكومة فهو مشتبه، نحن منذ البداية كنا متواضعين في مطالبنا وما زلنا ولكن اذا ثبت ان البعض يراهن على متغيرات اقليمية فإنه من حقنا ان نعيد النظر في مطالبنا"، داعيا الى "ألا يلزم أحد نفسه بمواقف اقليمية قد يتراجع عنها".

في هذا الكلام اكثر من رسالة، الاولى جاءت للحريري، وفيها أن الحزب يؤيّد بالكامل، لا بل يطلب إبعاد الحكومة عن الوضع الاقليمي لكي لا يحمل رئيس الحكومة المكلّف وزر ملفات لا يقوى على حملها، حتى ولو كان هذا الوضع يصب في مصلحته ومصلحة فريقه. وفي الخطاب تأييد ودعم للحريري لتشجيعه على تشكيل الحكومة وعدم الانصات للمطالب الإقليمية، كذلك يعلم حزب الله بأن التدخل الخارجي قائم، انما أراد السيد نصرالله إعطاء فريق التشكيل فرصة أخيرة قبل تغيير الموقف "المتواضع" للحزب وحلفائه، فطلب منهم عدم تدويل الازمة، وهذا دليل على أن الحل لا يزال حتى الساعة بيد اللبنانيين.

دعم حزب الله للحريري جاء في الرسالة الثانية التي حملها الكلام للتيار الوطني الحر، اذ دعاهم السيد نصر الله بطريقة غير مباشرة لعدم زج الشارع والتدخلات الدولية في الملفّ الحكومي، خصوصا بعد ان ألمح مسؤولو الوطني الحر بإمكانية استخدام الشارع للضغط على الحريري لتشكيل الحكومة، وفي هذا الأمر تأكيد على رفض الحزب لحكومة اكثريّة أو لقيام مشكل طائفي على خلفية ابعاد الحريري عن تكليفه بتشكيل الحكومة بأي وسيلة من الوسائل.

تطرق السيد نصر الله في ختام خطابه الى الشق الاجتماعي ومكافحة الفساد، وفي هذا السياق أشار الى ان الأمور لن تتغير بين ليلة وضحاها، خصوصا وأن ما يقوم به الحزب بحاجة الى وقت، فهو يعمل على عدة محاور، منها ما هو متصل بالتعاون بين الحلفاء، ومنها ما هو على علاقة بالشق التشريعي، حيث يقوم فريق متخصص في الحزب بإعداد مجموعة قوانين تساهم بمحاربة الفساد، إضافة الى تعديلات على قوانين موجودة، الامر الذي يحتاج الى حياة سياسية سليمة لإقرارهم، لذلك شدد نصر الله على ضرورة العمل بهدوء وعدم تحويل الملفات الى ساحات حرب "افتراضية" تسيء الى علاقات الحزب ولا تؤدي الى أي إيجابية.

لا شك ان المرحلة المقبلة ستشهد تطورات دراماتيكية بحال لم يتمكن الحريري من تشكيل حكومته، فموقف حزب الله لن يبقى كما هو اليوم، وسيحاول ترجمة انتصار محوره في لبنان، اذا ما أصر المحور الخاسر على محاولة التعويض لبنانيا.