بعد أن كانت أجواء الأيام الأولى من التكليف، في 24 أيار الماضي، توحي بأن رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ سينجز مهمته خلال فترة قصيرة، بات لدى معظم الأفرقاء المحليين، في الوقت الراهن، قناعة بأن لا حكومة في وقت قريب، في حين كان الحديث، في الأيام السابقة، عن أن الولادة قد تكون بين عيدي انتقال السيدة العذراء والأضحى، بعد تكثيف المشاورات والإتصالات التي يقوم بها الحريري.

طوال هذه الفترة، كان هناك إصرار على أن العقد التي تحول دون ​تشكيل الحكومة​ محلية محض، تعود إلى الخلاف على الحصص بين "​التيار الوطني الحر​" وحزب "القوات اللبنانية" من جهة، وبين رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وليد جنبلاط ورئيس "الحزب الديمقراطي" ​طلال أرسلان​ من جهة ثانية، من دون تجاهل الخلاف حول تمثيل النواب السنة الذين لا يدورون في فلك تيار "المستقبل" من جهة ثالثة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الوقت لم يكن كفيلاً في معالجة الخلافات، بل على العكس أنتج أخرى قد تكون أصعب، نظراً إلى إرتباطها بالأوضاع الإقليمية، لا سيما على الساحة السوريّة وعلى مستوى الصراع بين الولايات المتحدة وإيران. تؤكّد وجود نظريتين على هذا الصعيد: الأولى تقول بأن هناك من يستجلب في الداخل، التدخل الخارجي لتعزيز موقعه، بينما الثانية تُصر على أن هناك جهات خارجية تضع شروطاً تعجيزية هدفها الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية.

من وجهة نظر هذه المصادر، في الحالتين النتيجة واحدة: لا حكومة. لكن ما ينبغي التوقف عنده اليوم هو ذهاب العديد من أفرقاء قوى الثامن من آذار، بالإضافة إلى "التيار الوطني الحر"، إلى الإعتراف بأن السعوديّة تقف وراء الموقف المتصلب لكل من النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس "القوات" سمير جعجع، ما يدفع رئيس الحكومة المكلف إلى التضامن معهما، بالرغم من نفي الحريري لوجود أي تدخل من جانب الرياض.

الأمر الثاني الذي ينبغي التوقف عنده، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، هو ما صدر عن رئيس الحكومة المكلف، قبل الإجتماع الأخير لكتلة "المستقبل"، لناحية تشديده على أن الحكومة لن تتشكل في حال الإصرار على إعادة العلاقات مع الجانب السوري من بوابة معبر نصيب، وهو ما كان الفريق الآخر يسعى إليه بشكل واضح، سواء كان ذلك من بوابة "نصيب" أو عبر بوابة النازحين، لكن ما الذي دفع رئيس الحكومة المكلف إلى فتح هذه المعركة مُسبقاً، مع العلم أن النقاش حولها كان من المفترض أن يكون مؤجّلاً إلى حين الإنتهاء من عملية التأليف؟.

بالنسبة إلى المصادر السياسيّة المطلعة، أراد الحريري من هذه الخطوة إحداث توازن في العقد التي تحول دون ولادة حكومته، بعد أن أيقن أن أحداً في لبنان لم يعد يقتنع بأن مصدرها داخلي. لا سيّما أن الإتهامات توجّه إلى ​السعودية​ وهو أراد أن توجيه أخرى إلى ​سوريا​، ولو بصورة غير مباشرة، ما يعني أنّ المطلوب تقديم تنازلات متبادلة بين المحورين الإقليميين، لا الإكتفاء بدعوة أحدهما إلى الكفّ عن وضع الشروط التعجيزية.

في المحصلة، لا يمكن الحديث عن ولادة الحكومة في المرحلة الراهنة، قبل الإتفاق على التوازنات الداخلية التي تحكم عملها، حيث تريد قوى الرابع عشر من آذار الحفاظ على التوازن الحالي: 17- 13، بالإضافة إلى برنامج عملها، لا سيما على مستوى العلاقات مع سوريا، من دون تجاهل تأثير الإستحقاقات المحلية المقبلة.