وضعت ​الولايات المتحدة الأميركية​ "ضرب" ​إيران​ نصب أعينها، ففرضت العقوبات وتستمر بالبحث عن سبل تشديد الحصار الاقتصادي عليها، تماما كما قررت التصرّف مع ​تركيا​، اذ تجد الإدارة الأميركية أن سياسة الحرب الاقتصاديّة فعالة أكثر بكثير من الحرب العسكرية. إنها لعبة "عضّ الأصابع ومن يصرخ أولا".

في إيران، التي عانت منذ سنوات من هذا الحصار، بدأت الأمور تصعب مع دخول المرحلة الأولى من العقوبات منذ أسبوعين، على أن تشهد ذروتها في شهر تشرين الثاني المقبل. ومنذ انسحاب الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ من ​الاتفاق النووي​، بدأت السلطات في طهران تبحث عن مخارج لتتآلف مع هذه العقوبات، فتحاول تارة دعم السوق المحلي، واتخاذ قرارات سياسيّة تخفف احتقان الشارع تارة أخرى.

منذ بضعة أيام، أوقفت السلطات القضائية في ايران 67 شخصاً بتهمة "الجرائم الاقتصادية" كاحتكار السلع او استيراد منتجات من الخارج مقابل عدم التعامل بالسلع المنتجة محلياً. بالإضافة إلى ذلك، أقدمت السلطات المختصة أيضًا على طرد عدد من الموظفين الحكوميين بسب تهم متعلقة بالفساد، أبرزهم محافظ البنك المركزي وتعيين بديل عنه، وكل هذه السياسات الاقتصاديّة تهدف لتحصين البيت الداخلي الإقتصادي من أي محاولة غدر، للتفرغ لمواجهة التحديات الاقتصادية الخارجية.

سياسيا، كان بارزاً خطاب المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد ​علي خامنئي​، والذي يُعتبر من أبرز مواقفه منذ العقوبات والذي وضع صورة عامة لكيفية تعامل ايران مع الأزمة، إذ أنه منع أي مسؤول إيراني من التفاوض مع أميركا، معلناً "اننا لا نريد الحرب او التفاوض معها". واعتبر خامنئي أن "أميركا أثبتت عدم مصداقيتها في أي مفاوضات لذا يُمنع على أي مسؤول ايراني التفاوض مع الجانب الأميركي، وفي حال قبلنا ذلك في أحد الأيام، فالأكيد أنه لن يكون في ظل الإدارة الأميركية الحالية، ولا في ظل الشروط المفروضة من قبلها".

على الجانب الآخر، كان لافتاً تشكيل مجموعة عمل بشأن إيران يرأسها براين هوك، الذي كان مسؤولاً في السابق عن الجولات الأميركية في ​أوروبا​ وآسيا لإقناع الدول بإيقاف التجارة مع الجمهوريّة الاسلاميّة وتوقيف استيراد النفط الايراني، ويعتبر هوك من المطّلعين بشكل واسع على الوضع الإيراني. إضافة لتعيين هوك، بدأت السلطات الأميركية تبحث عن سُبل تفجير الوضع داخل ايران، وظهر ذلك جلياً في التصريحات الأميركية وتصريحات ترامب التي دعت العالم إلى التحالف لـ"مساعدة الشعب الإيراني للتخلص من النظام القمعي في طهران". كل ذلك يشير الى أن الملف الإيراني أصبح أساسيا على طاولة الرئاسة الاميركية، مع وجود نيّة لضرب النظام القائم.

داخلياً، بدأ الشعب الإيراني يشعر أكثر فأكثر بخطورة الوضع الإقتصادي، خصوصاً بعد أن أصبح صرف الدولار يساوي 10500 تومان بعد أن كان منذ سنة يساوي 8400 تومان. كل ذلك تزامن مع اقفال الشرطة الايرانيّة لمحال الصيرفة وخصوصاً في منطقة فردوسي بطهران المشهورة بمحال الصيرفة، كما منعت الصرّافين من التواجد في الشارع تحت طائلة الحجز، فباتت عملية تصريف العملات الصعبة في إيران كالتجارة بالممنوعات، إلا في المصرف المركزي الذي ترك سعر صرف الدولار مقابل الـ8400 تومان.

بناء على كل ذلك، فإن إيران دخلت في كباش كسر عظم مع أميركا، وتعمل الحكومة الإيرانية على مواجهة هذه الحرب الإقتصاديّة التي قد يكون أثرها أصعب من أي حرب أخرى، حيث من المتوقع ان تشتد الأزمة مع مرور الوقت، فهل تنجح إيران في إفشال المخطّط الأميركي عليها بالتعاون مع تركيّا التي تعاني الأمرّين بدورها؟ ام أن سياسة عدم قبول التفاوض ستصل الى حائط مسدود تجد من بعدها القيادة الإيرانيّة نفسها مضطرة للقبول بشروط التفاوض؟ .