أشار البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، إلى أنّ "نشيد أمنا وسيدتنا ​مريم العذراء​، "تعظّم نفسي الرب" الّذي أنشدته في زيارتها لأليصابات بعد بشارة الملاك، إنّما هو نشيد نبوي. فهو من جهة، ينطوي على كلّ العظائم الّتي أجراها الله في مريم وسيجريها في البشر عبر التاريخ، ومن جهة أخرى، أصبح نشيد الكنيسة وكلّ مؤمن ومؤمنة عندما يرى كلّ منّا عمل الله في حياته الخاصة ونشاطاته وإنجازاته".

ولفت خلال ترؤسه قداسًا إحتفاليًّا عند "السنسول" البحري في ميناء ​عمشيت​، كرّس خلاله تمثال ​سيدة البحار​، وذلك بدعوة من "مؤسسة ميشال عيسى للتنمية المحلية" و"الجمعية التعاونية لصيادي الأسماك" في ميناء عمشيت، إلى أنّ "من هذا الإيحاء قامت "مؤسسة ميشال عيسى للتنمية المحلية" مشكورة بمبادرة رفع تمثال سيدة البحار على السنسول البحري في ميناء عمشيت، فيحيّيها ​صيادو الأسماك​ الذاهبون إلى الصيد والعائدون منه والسواح والمارة بتحية "تعظم نفسي الرب"".

ونوّه البطريرك الراعي إلى أنّه "يسعدنا أن نحتفل بتكريس تمثال سيدة البحار، مع راعي الأبرشية ​المطران ميشال عون​، والنائب البطريركي العام على منطقة صربا من الأبرشية البطريركية المطران ​بولس روحانا​"، مركّزًا على أنّ "مبادرة رفع تمثال سيدة البحار مشكورة وممدوحة، لأنهّا تعطي طابعًا قدسيًّا لهذا المكان ببحره وشاطئه وبيئته. إنّه يذكّرنا بكلام الرب يسوع وآياته، وجرى معظمها على شاطئ ​بحيرة طبريا​ وعلى مياهها. فيها كان الصيد العجيب مرتين: الأولى، في بداية رسالته، عندما اختار الأوائل من رسله، سمعان - بطرس ويعقوب ويوحنا (لو 5: 4-11)؛ والثانية، بعد قيامته، وبعد العودة بالشباك المملوءة 153 سمكة كبيرة من دون أن تتمزق، أعلن سمعان - بطرس حبه الشديد ليسوع، فسلّمه الرب رعاية الكنيسة (راجع يو21: 1-16)".

وأوضح أنّ "على ضوء كلام يسوع وآياته، نقرأ رموزها، فالبحر هو العالم، الأسماك هم البشر، الشباك هي ​الإنجيل​ والصيادون هم الأساقفة والكهنة. في الواقع، عندما عاد الصيادون من ذاك الصيد العجيب الأول، واندهش سمعان - بطرس وخر على قدمي يسوع لأنه شكك في قدرته، أنهضه الرب وقال له: "لا تخف، فمن الآن تكون صياد البشر للحياة" (لو11:5). نحن لا ندري أية مشاعر ستترك مريم أمنا "سيدة البحار" في نفوس الصيادين والسياح والمارة وممارسي رياضة البحر والبر، عندما يطلبون شفاعتها، لكّننا نعرف حقًّا أنّ "سيدة البحار" ستعمل على طريقتها في استجابة التماس أبنائها وبناتها المؤمنين".

وأكّد الراعي "أنّنا نؤمن مع الكنيسة أنّ مريم أم الإله المتأنس ​يسوع المسيح​، هي أمنا بالنعمة، إذ من فيض استحقاقات آلامه وصلبه لفداء الجنس البشري ومن وساطته الوحيدة بين الله والبشر، تستمدّ لنا مريم النعم الخلاصية، وذلك بفضل مشاركتها في عمل يسوع ابنها الخلاصي وبفضل ما تميزت به من بطولة في الإيمان والرجاء والمحبة؛ فباتت شفاعتها لا ترد".

وبيّن أنّ "في نشيد "تعظم نفسي الرب" تنبأت مريم عن العظائم الّتي يجريها الله فيها: فقد عصمها من الخطيئة الأصلية، وصانت هي نفسها من كل خطيئة شخصية بقوة النعمة الإلهية؛ دعاها، وهي عذراء، لتكون أما لابنه مخلص البشرمن خطاياهم بقوة الروح القدس؛ حفظ بتوليتها الدائمة قبل الميلاد وفيه وبعده، لتكون وجه الكنيسة النقي الطاهر، ومثال المكرسين والمكرَّسات؛ أشركها بقوّة الإيمان والرجاء والمحبة في آلام ابنها يسوع من أجل فداء العالم؛ أقامها بثمرة آلامها مع ابنها يسوع، أما للكنيسة والبشر ولكلّ إنسان بشخص يوحنا الحبيب من على الصليب (راجع يوحنا19: 25-27)؛ وفي نهاية حياتها على الأرض نقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السماء، وتوجها سلطانة السماوات والأرض، لتكون أكثر شبها بابنها يسوع، ملك الملوك وسيد السادة. بانتقالها إلى السماء، لم تغادر أرضنا، بل ظلّت معنا بعينها الساهرة وبتشفعها لدى ابنها الإلهي، لكي يبلغ جميع المسافرين في بحر هذا العالم إلى ميناء الخلاص".

وشدّد الراعي، على أنّ "من هذا الشاطئ وقبالة البحر نتذكّر أنّ البحر كان بالنسبة إلى ال​لبنان​يّين على مرّ العصور، وسيلة عبور وتواصل تجاري واقتصادي مع العالم الغربي. ومن ثمّ بحكم موقعه الجغرافي ونظامه السياسي، كان لبنان جسرًا حضاريًّا وثقافيًّا عرف الغرب على الشرق، والشرق على الغرب"، مشيرًا إلى "أنّنا نتذكّر بالتالي أنّ لبنان لم يشهر يومًا حربًا على أحد، ولا انطلقت من بحره أساطيل وسفن حربية. ونتذكّر أنّ ​الشعب اللبناني​ ناضل ببطولة بوجه الطامعين والفاتحين حفاظًا على أرضه".

وأكّد أنّ "الشعب اللبناني مدعو إلى أن يكون شعب المحبة والسلام، ويرفض أن تكون أرضه مقرًّا أو ممرًّا للاعتداء على الغير ولإشعال الحروب. فلا بدّ من أن يتميّز لبنان بحياده الإيجابي، فيكون مكان لقاء وحوار للجميع، ويتبنّى قضايا عالمنا الشرق أوسطي في كلّ ما يختصّ بالعدالة والسلام وحقوق الإنسان والشعوب".

وركّز البطريرك على أنّ "هذه كانت رسالة لبنان، ويجب أن تبقى. فتقتضي من الجميع الولاء المطلق للبنان، واحترام كلّ الدول والتعاون معها وفقًا للأصول الدستورية ومبادئ السيادة والاستقلال. على هذه الأسس يمكن تأليف ​الحكومة​، ونطالب به بإلحاح ومسؤولية"، جازمًا أ،ّ "الحكومة ليست ملكًا لأحد من أصحاب الحصص والمصالح والمآرب الخاصة والنفوذ. فالشعب اللبناني، المتضرّر كلّه من هذه الممارسة السياسية، يرفض التلاعب بمصيره وبلقمة عيشه وبمستقبل أجياله الطالعة. إنّه في خيبة أمل، لا ينسى وعودكم الإنتخابية".