"الغنج" الداخلي لبعض القوى السياسية وإستهلاك الـ85 يوماً من عمر التأليف يبدو انه انقلب الى "ميلو دراما" تمزج بين الانتفاخ والشخصانية وتكبير الاحجام الانتخابية والتمثيلية وصولاً الى ارسال رسائل ابعد من تشكيل الحكومة داخلياً وقد تصل الى الاستعراضات العسكرية وإطلاق رصاص الرشاشات كـ"تحذير" لباقي الاطراف ولو كانوا من الطائفة نفسها. وهذا "الاسترخاء" الداخلي والرهان على استعجال الرئيس ميشال عون وحلفائه وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله تشكيل الحكومة ومحاولة هذا البعض استغلاله لتقطيع الوقت للضغط على الثلاثة وخصوصاً عون للرضوخ والتسليم بمطالبهم ونيلها بأقل "جهد" و"ثمن" سياسي ممكن، بدأ يتحول الى معضلة حكومية حقيقية بعد تحول ازمة الحكومة من صراع على الحصص على الاحجام الى ربط كامل بقضايا وحروب الاقليم والمنطقة.

هذه الاجواء عكسها الامين العام لحزب الله في خطاب ذكرى الانتصار منذ ايام وفيه وضع السيد نصرالله خطوطاً حمراء ورفع لاءان كبيرتان حول الحكومة والعلاقة مع سوريا. ورغم ان الخطاب هو مخصص حصراً لذكرى انتصار تموز- آب الا ان نصرالله تطرق بعجالة الى الملف اللبناني ليؤكد الاجواء المحيطة بتشكيل الحكومة وليقول نعم هناك تدخلا اقليميا ودوليا وسعوديا فاضحا وواضحا لعرقلة التأليف. ووفق اوساط مقربة من حزب الله التي تشير الى هذه الاجواء القاتمة لتؤكد ان حزب الله وحركة امل وكل فريق 8 آذار لم يضع شروطاً او عراقيلاً ولم يشترط على الرئيس المكلف سعد الحريري ما يكبله او يجعله عاجزاً عن التأليف بل على العكس قدمنا له كل يمكن من تسهيلات وتميزت طلباتنا الحكومية بالتواضع والواقعية وهو امر يؤكده الحريري امام زواره وان حزب الله اكبر المسهلين والرئيس بري اول المبادرين للحلول وحلحلة العقد.

وتؤكد الاوساط ان ما جزم في قوله السيد نصرالله هو ان العلاقات مع سوريا وإعادتها الى طبيعتها قبل العامين 2005 و2011 ومع اقتراب الدولة السورية والرئيس بشار الاسد من إعلان التحرير الكامل للتراب السوري امر حيوي واستراتيجي للبنان قبل سوريا ويمكن للبلدين ان يستفيدا من مزايا هذه العلاقة في الجوانب الامنية والسياسية والاقتصادية. فمن جهة يضمن التنسيق الامني والسياسي بين الدولتين وفيهما سفاراتان وعلاقات ديبلوماسية وتربطهما اتفاقات متبادلة ومعاهدات ان يعود النازحون الى بلادهم وان يساهم لبنان في جهود إعادة الاعمار وان يتحقق التبادل التجاري بين البلدين وان يضمن لبنان تصدير زراعته ومنتجاته الغذائية والزراعية والصناعية المحدودة الى تركيا والعراق والاردن ومنها الى دول الخليج عبر معبر نصيب والذي يحتاج الى تفاهم لبناني- سوري- اردني.

اما في الشق المتعلق بقول الحريري ان لا حكومة اذا ربط امر تشكيلها بعودة العلاقات مع سوريا وانه لن يزور سوريا وغيرها من السقوف المرتفعة غير القابلة للصرف فتأتي نصيحة السيد نصرالله للحريري وغيره بالتعقل والوقف عن العنتريات وعدم الالتزام بمواقف قد يصبح التراجع عنها امراً صعباً فيما بعد.

وتشير الاوساط الى ان ما يجري اليوم هو انتقال الكباش الداخلي حول تأليف الحكومة الى كباش خارجي واقليمي وتحويله الى ملف للاشتباك السوري – الايراني – السعودي- الاميركي فلولا وجود دعم وتغطية سعودية للثلاثي الحريري - جنبلاط – جعجع لما كان هناك كل هذا الضجيج وهذه العرقلة ولولا وجود رغبة اميركية بتعطيل التأليف لما تجرأت السعودية على ربط لبنان بملفات المنطقة وخصوصاً ملف تأليف الحكومة فإذا ما زالت المظلة الدولية فوق لبنان وما زال الاميركي مصراً على استقرار لبنان فلماذا تعطيل الحكومة إذن؟

وتقول الاوساط ان لا رغبة سورية ولا ايرانية في ربط الحكومة اللبنانية بملف سوريا واليمن ولا بأن يكون هناك اثمان لتأليف الحكومة اللبنانية تُدفع لجماعة السعودية في سوريا مع التأكيد ان فريقنا منتصر ولا يريد قبض الاثمان لكنه لا يريد ان "يُأكل رأسه"، ولكن يبدو ان السعودية ترغب بثمن ايراني في اليمن. وحتى الساعة لم يحدث اي تفاوض ايراني- سعودي مباشر حول ملفات المنطقة لكن الاوساط تلمح الى وجود وسطاء لحلحة ملفات المنطقة والعقوبات الاقتصادية والسير بعملية ربط نزاع بين لبنان وملفات المنطقة كما كان يحدث سابقاً لكن الامور في بداياتها وقد تحتاج الى وقت ليس بقصير ويبدو انه حتى تشرين الاول او بين "التشرينين" وحتى ذلك الوقت قد نرى محاولات لتزييت محركات التأليف وقد نرى لقاءات واتصالات لن تتمكن من حلحلة لكنها ستطري الاجواء بين المتخاصمين. وتلفت الى اننا عندما نرى ان هناك ايجابيات لبنانية وتبدأ العقد تتفكك عندها نستطيع القول ان الضوء الاخضر قد اتى للحريري وحلفائه للتنازل وتشكيل الحكومة.

وتؤكد الاوساط ان خلال اليومين الماضيين جرت اتصالات بين مختلف الافرقاء السياسيين وتنص على تحييد الملف السوري عن التشكيل وفصله عن المفاوضات الحكومية وايجاد مخارج عملية لصيغة البيان الوزاري قد لا تتضمن صراحة التطبيع الكامل بين لبنان وسوريا ولكنها تضمن ايجاد مخارج تكون سليمة سياسياً واقتصادياً لاعادة النازحين وفتح معبر نصيب وإعادة الاعمار وكل تفاصيل وشكل العلاقة مع سوريا. فإذا صفت النوايا ورفعت السعودية فيتو التعطيل فخلال 24 ساعة يمكن حلحلة كل شي وخصوصا ان حزب الله وحلفاؤه لا يتصرفون وفق عقلية المنتصر والمهزوم في الحكومة والانتخابات ويريدون ان تتشكل الحكومة بشكل متوازن وان تحل امور البلاد اقتصاديا ومعيشيا وماليا.