سنة تلو الاخرى، تبرز قوّات "​اليونيفيل​" في وسائل الاعلام والمحافل الدولية، وتصبح على كل شفة ولسان. ولكن هذا الوهج الذي تحصل عليه القوات الدولية العاملة في ​جنوب لبنان​، انما يستمر لأيام معدودة، قبل ان يختفي مجدداً بعد التجديد لها. منذ عقود من الزمن، والقلق يضرب ابواب لبنان عند البحث عن التجديد لـ"اليونيفيل"، ويدور الحديث عن امكان ادخال شروط جديدة تطال مهام هذه القوات وعديدها وخريطة عملها، ولكن ككل سنة، لا يحصل اي تغيير.

يمكن القول انه يتم اعطاء "اليونيفيل" حجماً اكبر منها بكثير، فهي اشبه ما يكون بمارد من ورق، لان ما ومن تمثل يجعلها قادرة على بسط نفوذ او التصدّي بالقوة لكل من يهدد عملها، ولكنها اثبتت انها لا تنفع للمواجهة العسكريّة، بل هي اقرب الى الدعوات للهدوء والتروي وضبط النفس، واجراء اتصالات لحلحلة اي اشكال يفرض نفسه على الساحة ​الجنوب​ية للبنان.

ولكن، في ظل وجود قوات من مختلف دول العالم، ما الذي يمنع فعلياً "اليونيفيل" من القيام بمهامها دون اي تدخل من أيّ كان؟ في الواقع، تمثل القوات الدولية مصالح الدول المساهمة فيها، وبالتالي لا يمكن لأيّ دولة ان تتفرد بتهديد مصالح الدول الاخرى، كما ان مسؤولي أيّ دولة تابعة لـ"اليونيفيل" غير قادرين على مواجهة الغضب الداخلي في بلادهم جراء تعريض الجنود التابعين للدولة للخطر، ومواجهة اهلهم وجهاً لوجه.

اضافة الى ذلك، يمكن اعتبار وجود "اليوينفيل" بمثابة "المخرج القانوني" لضمان الهدوء على الحدود للجانبين اللبناني وال​اسرائيل​ي على حد سواء، ليس بفضل " قوة عضلاتها العسكريّة"، انما بفضل السياسة والدبلوماسيّة اللتان توفران مظلة حماية معنوية لها تفوق تلك العسكرية، ما يجعلها مطلباً اساسياً للبنانيين والاسرائيليين على حدّ سواء. ومع مرور 12 عاماً على تعزيز حضورها، لا تزال "اليونيفيل" تعتمد على الامن السياسي والدبلوماسي والاجتماعي لاكمال مهمتها، وليس على الأمن العسكري. وغنيّ عن القول ان التلويح كل عام بتغيير قواعد واسس وجود القوات الدولية في الجنوب، لا يعدو كونه "ذراً للرماد في العيون" ولم يعد يجدي نفعاً لان الجميع يعلم ان الخطر ليس في التهديد بتغيير قواعد تواجد "اليونيفيل"، بقدر ما هو التهديد بسحب بعض الدول الاساسية لعناصرها المتواجدين ضمن عداد هذه القوّة الدوليّة. وهل يمكن تخيّل تأثير اعلان ​فرنسا​ مثلاً سحب عديد قواتها االعسكريّة من القوات الدولية العاملة في الجنوب؟ او الايطاليّة او الالمانيّة أو أيّ دولة اوروبيّة اخرى؟ من البديهي ان تسود البلبلة في الداخل اللبناني، وان يسري الغليان في العروق لمعرفة الاسباب، وما اذا كان سبب هذه الخطوة هو الخوف على مصير هؤلاء من حدث خطير سيحصل على ارض الجنوب؟ من هنا القدرة على تقييم المواقف، ومعرفة ان تجمّع القوات العسكرية الدولية من مختلف دول العالم دون صلاحيات لاستخدام السلاح كما يجب، يعني ان هذا "المارد من ورق" لا يزال حاضراً وان صفة "المارد" التي تلازمه، تنفع في ابقاء الاوضاع على حالها ومنعها من التدهور او التوتر، بغطاء اممي شامل.

لا يجب ان يُصدم احد بالتجديد التلقائي لـ"اليونيفيل"، فهو سيبقى على حاله عاماً بعد عام، مهما تغيّرت الاوضاع في المنطقة او الظروف، ولكن يجب على الجميع التوقف والتفكير ملياً عندما يتمّ الاعلان عن سحب عناصر من عديد هذه القوّات الدوليّة، لانه سيكون مؤشراً على حدوث شرخ في المظلة الدوليّة للبنان بشكل عام، ولـ"اليونيفيل" بشكل خاص لن يكون من السهل تخطيه، الا في حال تم تعديل القرار الرقم 1701 وهو امر لا بد وان يحظى بموافقة جماعيّة غير متوافرة حالياً ولا في المدى الزمني المنظور.