تتقاطع المعلومات لدى مختلف الأوساط السياسية على انّ إعداد التشكيلات الوزارية سيبدأ عملياً نهاية آب الجاري، بعدما اتضح للقاصي والداني ما يريده جميع الافرقاء السياسيين من مقاعد وحقائب وزارية، لعلّ المشاورات والاتصالات التي ستُجرى في شأنها تحقق التوافق المطلوب على ​الحكومة​ العتيدة.

على رغم من استمرار الحديث عن معوقات إقليمية ودولية لتأليف الجكومة، فإنّ أفرقاء سياسيين أساسيين في المعادلة الداخلية يؤكدون أن لا قيمة لهذه المعوقات، بل انها «غير موجودة منذ بداية رحلة التكليف والتأليف»، وأنّ المعوقات الماثلة هي معوقات كانت منذ البداية ولا تزال «معوقات من صنع محلي» منشأها النزاع الدائر بين بعض الافرقاء على حصص حقائب ومقاعد وزارية، ولأنّ كل فريق يريد الاستحواذ على حصة كبيرة، او التهرب من تقديم تنازلات مطلوبة منه، يهرب الى الامام متذرعاً بالعوامل الخارجية، ويوحي بأنها هي من يؤخر تأليف الحكومة أو يمنعه.

غير انّ الاجواء والمعطيات السائدة على الجبهة الحكومية تكشف، حسب قطب نيابي، انّ تعطيل تأليف الحكومة داخلي وليس خارجياً، إذ يسود بين بعض الافرقاء المعنيين سوء فهم أو فهم خاطىء للمطالب المرفوعة يعوق الاتفاق بينهم على الحكومة العتيدة.

وفي هذا السياق، يكشف هذا القطب أنّ الحريري يستعد لتقديم مشروع تشكيلة وزارية لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ نهاية الشهر الجاري مبنية على نتائج المشاورات التي أجراها اخيراً مع الافرقاء السياسيين، ولاسيما منهم رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير ​جبران باسيل​ ورئيس حزب «القوات اللبنانية» ​سمير جعجع​ ورئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ النائب ​وليد جنبلاط​، والتقى في ختام جولته التشاورية رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ وأطلعه على نتائجها، متمنياً عليه المساعدة في تذليل بعض المعوقات لتسهيل ولادة الحكومة.

وحسب القطب النيابي فإنّ الحريري فهمَ من باسيل خلال لقائهما الأخير أن «التيار الوطني الحر» يقبل ان تكون حصته ورئيس الجمهورية 10 وزراء.

وكذلك فهم من جعجع انّ «القوات» تقبل بـ4 حقائب ليس فيها حقيبة سيادية او منصب نائب رئيس ​مجلس الوزراء​. كذلك روّجت أوساط انّ الحريري يقبل بإعطاء رئيس الجمهورية مقعداً وزارياً سنياً ليكون من حصته مقابل حصول تيار «المستقبل» على مقعد وزاري مسيحي.

لكن هذا القطب النيابي يعتقد انّ الحريري اذا قدّم لعون تشكيلة مستندة الى هذه النتائج ـ المعطيات، فإنها قد لا تبصر النور، ليس لأنّ عون قد لا يوقعها، وإنما لأنّ أفرقاء سياسيين سيرفضونها وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر» و«القوات»، ناهيك عن جنبلاط الذي يتمسّك بقوة بأن تكون الحصة الوزارية الدرزية كاملة (3 وزراء) من نصيب الحزب التقدمي الاشتراكي، ولم يصدر عنه حتى الآن اي موقف بعكس ذلك، او حتى بالقبول بوزيرين درزيين فقط.

ويروي هذا القطب انّ الحريري قال لباسيل خلال لقائهما الأخير: «ما حاجتكم أنتم ورئيس الجمهورية فقط الى «الثلث المعطّل» في الحكومة، مع العلم انّ في إمكانكم تكوين هذا الثلث أنتم وحليفكم «حزب الله»؟. فردّ باسيل عليه: «من قال اننا نريد الثلث المعطّل؟ ما نريده ونطالب به هو حقوقنا وحصتنا».

ويعتقد البعض انّ الحريري ربما فهم كلام باسيل على انه قبول بأن تكون حصة رئيس الجمهورية و«التيار» 10 وزراء فقط.

والأمر نفسه ينطبق على «القوات» إذ سمع الحريري منها انها تقبل بـ4 حقائب وزارية، ليس بينها حقيبة سيادية ولا منصب نائب رئيس الحكومة.

ويقال انّ الحريري أحاط رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذه النتائج، وانه سيعدّ تشكيلة وزارية نهاية الشهر في ضوئها، ويرفعها الى رئيس الجمهورية.

لكنّ القطب يخشى أن لا تبصر هذه التشكيلة النور، لأنّ كلام باسيل عن «حقنا» لا يعني انه تخلّى عن مطلبه ان يكون لرئيس الجمهورية ولـ«التيار الوطني الحر» 11 وزيراً، أي الثلث المعطّل، وأنه ربما يقصد انّ هذا العدد من الوزراء هو ذلك «الحق» الذي تحدث عنه. وكذلك الامر بالنسبة الى «القوات»، فإنّ قبولها بـ4 وزارات لا يعني انها تخلّت عن مطالبتها بأن تكون لها «حقيبة سيادية»، خصوصاً اذا صحّ انّ رئيس الجمهورية هو من سيسمّي الشخصية المطلوبة لموقع نائب رئيس الحكومة.

بين السياسيين، بل أحد الاقطاب منهم، مَن يعتقد، بل يؤكد، أنّ أوان تأليف الحكومة، على ضرورته، لم يَحن بعد، وهو سيحين بعدما يُفرِغ جميع الافرقاء كل ما في جُعَبِهم من مطالب وشروط وغيرها، ويستنفدون كل المحاولات الهادفة الى تكبير أحجامهم على غير حقيقتها، ليعودوا لاحقاً الى الواقع ويدركوا أحجامهم الحقيقية لا المصطنعة او المنفوخة، وعندها تولد الحكومة معبّرة عن الاحجام التمثيلية الواقعية والطبيعية، بغَضّ النظر عن مدى قدرتها على النجاح في التصدي لِما ينتظرها من مشكلات، أو صيرورتها الى الفشل.