لا تكاد ​سوريا​ تخرج من ​لبنان​ حتى تعود اليه... هذا ما يمكن ملاحظته في الوضع الحالي، فقد باتت سوريا، وهي في اوقات الضعف، حاضرة بقوة على الساحة اللبنانية، ليس من الناحية العسكرية بالطبع، بل من الناحية السياسية، ولكن هل هي بالفعل كذلك ام انه يتم تضخيم الموضوع؟.

في الواقع، لا تعيش سوريا افضل حالاتها، فهي لا تزال تنتظر الحل السياسي للبدء بورشة الاعمار ونفض غبار الحرب التي دمرت اجزاء كبيرة منها وغيّرت معالمها السياسية والديموغرافية وربما الجغرافية. ولكن هذا الامر لم يمنع ذكرها في لبنان كأحد الاسباب الاساسية لمنع ​تشكيل الحكومة​، كي لا يتم التعامل معها من قبل جميع اللبنانيين، بل تقتصر الامور على قسم منهم فقط. لم يعد لسوريا النفوذ الذي كانت تتمتع به في لبنان، ولكن الموقف منها مرتبط الى حد بعيد بموقف الدول العربيّة والدوليّة، فمن يعارضها اليوم ويطالب بعدم التعامل معها، هو نفسه سيكون على رأس المرحبين بعودة الحرارة الى العلاقات اللبنانية-السورية فور اعلان بعض الدول انها ستعيد المفاوضات مع دمشق. والعكس صحيح ايضاً، فمن يؤيد سوريا حالياً سيكون ابرز معارضيها اذا ما اعلنت بعض الدول معارضتها للنظام السوري الحالي. ولكن السؤال يبقى في الحكمة من التلطّي خلف "الفزّاعة" السوريّة التي لم تعد تنفع بعد اليوم، فالجميع يعلم ان الكلمة الفصل في الكثير من الامور تعود الى روسيا والى رئيسها فلاديمير بوتين، وليس الى الرئيس السوري ​بشار الاسد​. ولا يمكن لسوريا ان تمارس اي نوع من النفوذ على لبنان وفق ما تظهره الاوضاع الحالية.

ولكن ما يحيّر هو ان الجميع يعترف، أكانوا لبنانيين من المعارضة او الموالاة، ان الكثير من الامور بحاجة الى موافقة ولو صوريّة من سوريا، كموضوع النازحين ومسألة إعادة الاعمار، وهي مواضيع بالغة الاهمية بالنسبة الى لبنان الذي يمكنه، اذا اتقن اللعبة، ان يستفيد من الموضوع، ولكن عليه ان يتغلب على بعض الشكليات، لان الاستمرار في اعتبار التعاطي مع سوريا بشكل رسمي هو "خيانة" للعرب، امر فيه مبالغة بطبيعة الحال، فالعرب منقسمون تجاه الازمة السورية، والسؤال الابرز هو هل سيتطلع العرب الى موقف لبنان اذا ما قرروا اعادة المياه الى مجاريها مع سوريا؟ وكيف سيكون الوضع عليه بين بلدين متلاصقين عبر الحدود؟. شاهدنا في الفترة السابقة ما آلت اليه الاوضاع عندما سيطرت سوريا على لبنان بموافقة غربية، ولم تكن العلاقة ناجحة بكل المعايير رغم "التعاون" اللبناني مع ​النظام السوري​ المسيطر في تلك الحقبة على لبنان. كما انه بعد اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تمّ بث اجواء من الطمأنينة، لكنها سرعان ما ذهبت ادراج الرياح عند اول استحقاق، وعادت الحساسيّات تحكم التناغم بين لبنان وسوريا.

في المحصّلة، لا يزال قسم من اللبنانيين يلعب على وتيرة الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ من باب العلاقة مع سوريا، فيما الواقع يشير الى ان سوريا تتجه الى فترة من الاستقرار والهدوء، ليس مع محيطها العربي فقط، انما بل حتى مع اسرائيل لان روسيا هي التي ستعمد الى تأمين الحدود وتنظيمها، واللبنانيون يقومون بمحاورة روسيا وهي الناطق الرسمي باسم السلطات السورية، تماماً كما يحاورون الولايات المتحدة الاميركية عندما يتعلّق الامر بإيران. لا يمكن لهذا "الانفصام" اللبناني ان يطول، فالوقت يمرّ بسرعة وروسيا عازمة على فتح كوّة في جدار المراوحة السوريّة، علّه يكون سبباً لكسر الجليد القائم مع سوريا والذي طال امده.