يبدو انتقال المبادرة الروسيّة لاعادة ​النازحين السوريين​ الى مرحلة التنفيذ أكثر تعقيدا مما اعتقد البعض الذي راهن على أن ما أُعلن بعيد قمة هلنسكي عن اتفاق بين موسكو وواشنطن حول هذا الملف، من شأنه أن يسيّر بين ليلة وضحاها مئات القوافل باتجاه ​سوريا​، حتى من دون تكبد عناء التواصل والتنسيق مع النظام السوري. فربط العودة ولو ضمنيا باتفاق دولي على انطلاق عملية إعادة الاعمار بعد تأمين المبالغ المالية الضخمة الواجب رصدها لتلك المرحلة، من شأنه أن يقذف بهذه العودة أشهرا الى الأمام اذا لم نقل سنوات، خاصة وأن التصريحات الأخيرة لمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي ​جون بولتون​ لا تبدو مشجعة في هذا السياق وبالتحديد قوله ان "​روسيا​ عالقة في سوريا وتريد من الآخرين تمويل إعادة إعمارها بعد الحرب"، معتبرا أن هذا الوضع يمثل فرصة أمام ​الولايات المتحدة​ "للضغط في سبيل انسحاب ​إيران​ من سوريا".

وتحاول الخارجيّة اللبنانية قدر الامكان البناء على التطورات الايجابية في هذا الملف، وان كان تقر بصعوبات ومعوقات ستواجهها على طريق الدفع به الى الأمام. اذ تعتبر مستشارة وزير الخارجية لشؤون النازحين الدكتورة علا بطرس أن مجرد الانتقال خلال سنة واحدة من دفع دولي باتجاه دمج النازحين في المجتمعات المضيفة بهدف توطينهم الى اقرار دولي بوجوب عودتهم تجلى مؤخرا بالمبادرة الروسية التي أعلنت عنها موسكو مباشرة بعد قمة هلنسكي التي جمعت الرئيسين الروسي والأميركي، هو بحد ذاته تطور ايجابي كبير يتوجب البناء عليه والاستفادة منه، ولو اقتصر ذلك على اعتبار ما حصل بمثابة غطاء سياسي لتحركنا كدولة لبنانيّة لاقرار آلية تنفيذية خاصة بنا بالتعاون مع الدول والجهات المعنية لاعادة النازحين.

وتؤكد بطرس وجود حراك دولي تقوده موسكو للدفع بملفّي العودة واعادة الاعمار الى الامام سواء مع واشنطن أو باريس أو ألمانيا كما ​تركيا​ و​الأردن​ اضافة الى التواصل الروسي مع الأمم المتحدة و​مفوضية اللاجئين​، لافتة الى ان ايران تلعب دورا في هذا المجال أيضا تجلى بتوقيعها مع الجانب السوري اتفاقا استراتيجيا اقتصاديًّا لاعادة اعمار 30 ألف وحدة سكنية في 3 محافظات سوريّة هي حلب وحمص ودمشق بهدف اعادة النازحين.

ويبدو جليا أن وزارة الخارجية اللبنانيّة لن تنام على حرير الوعود الدولية، اذ تتجه قريبا لانشاء لجنة تنفيذية تتعاون مع الوزارات المعنيّة لوضع آلية تنفيذيّة للعودة، الا أن تأخير ​تشكيل الحكومة​ بات يؤثّر سلبا على الملف، باعتبار أن الانتقال الى المرحلة التنفيذية، بحسب بطرس، سيستدعي وجود سياسة حكوميّة موحدة على أن يتمّ اقرار العودة الآمنة للنازحين في مجلس الوزراء، وتتعاون الوزارات المعنيّة بعدها لتذليل كل العقبات التي تواجه بعض النازحين وتمنع عودتهم كالاشكالات بموضوع الاقامات أو بملفي تسجيل الزيجات والولادات. وأكدت بطرس أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ طلب خلال زيارته الأخيرة الى موسكو من المسؤولين الروس المساعدة لحل مشكلة الخدمة الالزامية والقانون رقم 10 مع النظام في سوريا، مشدّدة على وجوب أن يترافق كل ذلك مع اطلاق مفوضيّة اللاجئين برامج تنشيط العودة وهو ما لم تقم به حتى الساعة.

بالمحصلة، يسعى لبنان الرسمي في راهنًا للاستفادة من التخبط الدولي بشأن الملف السوري متكئا على ما قيل عن اتفاق أميركي–روسي لاعادة النازحين، رغم عدم صدور أي موقف رسمي واضح من واشنطن بهذا الخصوص. لذلك من المرتقب أن تتواصل مساعي اعادة النازحين وان كان وفق مسارات متعددة بانتظار تبلور مسار موحد رسمي يؤمن عودة الغالبيّة العظمى منهم.