تقصّد رئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ مؤخرا أن تكون المواقف التي يطلقها من خارج "الفضاء الافتراضي"، بحثا عن وقع أكبر لها، موجّها بذلك رسائل بأكثر من اتجاه قبيل أيام من موعد الأول من ايلول، وهي المهلة التي حددها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كحدّ فاصل في الملف الحكومي. ولا يبدو جنبلاط جاهزا لتقديم أي تنازلات تذكر، لاعتباره أن لا امكانية للتنازل عن "الحقوق". ولعله يتكىء بذلك على موقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري المتمسك بتلبية مطالب "البيك" وعلى ما يُحكى عن دعم خارجي يتضح أكثر فأكثر مع مرور الأيام، ما يجعل "التقدمي الاشتراكي" كما "القوات اللبنانية" ماضيان في المواجهة الحكومية.

ويُدرك جنبلاط أن المواجهة هذه المرة ليست بسهلة، خاصة مع رفع كل الفرقاء سقوفهم السياسية، ما يجعل أي طرف يُقدم على تنازل ولو بسيط، طرفا منكسرا. وتشير مصادر "التقدمي الاشتراكي" الى أن "من نجح بكسر محاولات عزله في ​الانتخابات النيابية​، لن يسمح بذلك خلال عملية ترجمة نتائج هذه الانتخابات في استحقاق ​تشكيل الحكومة​"، لافتة الى أن المواقف الأخيرة التي أطلقها رئيس الحزب "تأتي في لحظة سياسيّة هامة حيث تتعطل المبادرات على المستوى الداخلي وتتمدد حال المراوحة القائمة في عملية التشكيل، في وقت يتمادى البعض في اتهام جنبلاط بالعرقلة علما أن ما يطالب به حقوقا مشروعة سينالها بالنهاية، رغم كل الضغوط والتعنّت ومحاولات كسره وعزله المستمرة".

وبدا لافتا خروج زعيم المختارة في هذه المرحلة بالذات، لوضع ملفّ انشاء مجلس شيوخ والغاء الطائفيّة السياسيّة مجددا على الطاولة، بعدما تكدّست الملفّات فوقه ما جعله في آخر الاهتمامات وفي أسفل سلّم الأولويات. وترد مصادر "الاشتراكي" اختيار هذا التوقيت بالذات لـ"تراكم المؤشّرات حول مدى انحدار لبنان في واقع طائفيّ مذهبيّ لم يعد يمكن الخروج منه الا بتطبيق كامل لاتفاق الطائف، الذي نص بوضوح على وجوب الغاء الطائفية السياسية من خلال انتخاب مجلس نواب لا طائفي وانشاء مجلس شيوخ". وتضيف المصادر: "تكثر الأمثلة والوقائع المريرة التي تؤكد وصولنا الى مرحلة تجاوزنا فيها الخطوط الحمراء، انطلاقا من قانون الانتخاب الذي سعى لتعزيز الفرز الطائفي والمذهبي، مرورا بوقف التوظيفات في الادارة العامة بحجة التوازن الطائفي في الفئات الثالثة والرابعة والخامسة، وهو ما لم يلحظه "الطائف" الذي شدّد على التوازن في وظائف الفئة الأولى، وصولا للخطاب السياسي اليومي الذي سقط الى مستويات غير مسبوقة في نقاش طائفي ومذهبي لم نعهده من قبل".

وتماما كما "القوات اللبنانية"، لا يتردد "التقدمي الاشتراكي" باعلان المواجهة المفتوحة مع "التيار الوطني الحر" وبالتحديد رئيسه وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، محاولا حتى الساعة الفصل في علاقته المتفجّرة مع الأخير والعلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أقله بالعلن، خاصة في ظل اقتناعه بـ"دور يستطيع الرئيس ان يلعبه في حال أراد الضغط على باسيل لتسهيل تشكيل الحكومة".

بالمحصّلة، يبدو جليا أن جنبلاط لا يعتبر أن معركته الحالية محصورة حكوميا أو ان مشكلته مع رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب ​طلال ارسلان​. هو يقف على سلاحه مستعدا لمواجهة طويلة الأمد مع "العونيين"، باحثا عن حلفٍ يجعل معركته متكافئة.