أخذ التعميم الذي اصدره المدير العام للاحوال الشخصية العميد ​الياس الخوري​، والقاضي بالسماح للمرأة ال​لبنان​ية المطلّقة بإدراج اسماء اولادها على قيدها، ضجة كبيرة في الاوساط الرسمية والمدنية، كونه رفع من معنويات المرأة اللبنانية وقرّبها خطوة اضافية في مسيرتها نحو الحصول على حقوق طالما نادت بها، في مجتمع لبناني منفتح، ولكنه يبقى ضمن البيئة الشرق اوسطية.

في الواقع، يمكن القول ان المواقف التي تصدر عن العميد الخوري منذ تسلمه مهامه كمدير عام للاحوال الشحصية وحتى اليوم، هي اشبه بمن يضيء شمعة في ظلمة الدهاليز الصعبة لمديرية الاحوال الشخصية. صحيح انه لا يزال مقيداً بصلاحيات لا يمكنه تخطيها وفق ما تفرضه القوانين، لكنه عرف كيف يبقي على الخيط الفاصل بين الصلاحيات وعدم خرق القوانين مع ارضاء المواطن قدر الامكان، مدعوماً بدعم مطلق من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ​نهاد المشنوق​. هذا الكلام مرده ليس فقط الى التعميم الاخير، بل الى تعاميم سابقة قد يكون البعض قد نسيها، الا انها ستبقى ماثلة وحاضرة في اذهان الكثيرين الذين عانوا من تبعاتها على مدى عقود من الزمن، دون ان يتمكن احد من كسر هذا "التابو"، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، منع ادراج عبارة "مولود غير شرعي" في بيانات الاحوال الشخصية، كما كلمة "بالتبني" او عبارة "مجهول الاب" او غيرهما للتمييز بين المواليد، اضافة الى تبسيط معاملات تسجيل المواليد السوريين، فضلاً عن عدد من الاجراءات المتخذة لتسهيل حصول المواطنين اللبنانيين على اوراقهم الثبوتية.

وفيما مرّت القرارات والتعاميم السابقة دون ضجة اعلامية تستحقها، تصاعدت ردود الفعل الايجابية على التعميم المتعلق بحق المرأة المطلّقة في ادراج اولادها على قيدها، خصوصاً وان من غير المنطقي اعتبار المرأة بعد الطلاق بمثابة "حرف ناقص" والغاء دورها الامومي علماً ان الاولاد لا يزالون يرتبطون بها بشكل بيولوجي ومن الحق الاعتراف بدورها في هذا المجال، بدل ان تكون عنصراً مستتراً وكأن امومتها باتت عرضة للخجل او العار او الطعن بمجرد انها اصبحت مطلّقة، فيما لا ينطبق المعيار نفسه على الرجل رغم انه يدور في الفلك ذاته.

ومن المعلوم ان موضوع المساواة وتعزيز وضع المرأة في لبنان، يحظى بإجماع شامل لكنه لم يكن قد خطا خطوات عملية بعد الا لمسافات قصيرة. ولكن البعض ارتأى ان ينظر الى النصف الفارغ من الكوب، عبر التركيز على وجوب اعطاء المرأة المطلقة (بشكل عام) حق تسجيل اولادها على قيدها حتى ولو كانت متزوجة من غير لبناني، وهو امر لا يخضع الى مديرية الاحوال الشخصية، بل يتعدّاه الى مجلسي الوزراء والنواب، كما انه لا يزال يعتبر "ملفاً سياسياً ساخناً" يخضع للجدل بشكل متواصل بين مختلف القوى السياسية وما يمكن ان يحمله من مخاوف التوطين وغيرها من الامور... ان التعميم جاء، ليس بهدف الانتقاص من حقوق واهمية المرأة المطلّقة من رجل اجنبي، انما التزاماً من المديرية بحدود الصلاحيات الممنوحة لها، والتي لا تشمل الاعمال الادارية الصادرة عنها القيود غير المدرجة لديها في سجلات المقيمين، ما يضفي مصداقية على هذه الاعمال ودقّة في المعلومات الواردة.

وبالتالي، يحتاج الامر الى اصدار قوانين محددة في هذا الخصوص، لا يمكن حلّها بتعميم من هنا او قرار اداري من هناك. ويمكن في هذا السياق ان يعمل ​الجنس​ الناعم من النواب، على تحريك ​المجلس النيابي​ في هذا الشأن والوصول الى صيغة تضمن توافق اكبر عدد من القوى السياسية عليها لتبصر النور بشكل قانوني. كما يمكن لسيدات ​المجتمع المدني​ التوافق مع النواب والوزراء من اجل الوصول الى الغاية المنشودة، والمحافظة على الاجماع الوطني في رفض التوطين تحت اي شكل من الاشكال.

وفي المقابل، يمكن للحكومة الجديدة ان تنظر بعين الحق الى "الورشة" التي تشهدها الاحوال الشخصية، وتعمل على الموافقة على تعزيزها وتطويرها بهدف ترجمة الاهداف الموضوعة الى واقع ملموس يعود بالفائدة على الدولة والمواطن معاً، وان يكون وزير الداخلية الغطاء السياسي المطلوب للعميد الخوري وغيره من الموظفين التابعين ل​وزارة الداخلية​، الذين يعملون في سبيل رفع شأن ​الادارات العامة​ وتسهيل شؤون المواطنين.