مع تعاظم الدور الروسي في منطقة ​الشرق الأوسط​، إنطلاقاً من الساحة السوريّة، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول امكانية لدور ما محتمل لموسكو في لبنان أكبر من الحالي، لا سيما مع طرح مبادرتها لإعادة ​النازحين السوريين​ إلى بلادهم، مع ما تشكله هذه الأزمة من ضغط على الأوضاع اللبنانية الداخلية.

من حيث المبدأ، لموسكو حضورها على الساحة اللبنانية، خصوصاً أنها من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، لكن ليس بالشكل الذي هو عليه في ​سوريا​ على سبيل المثال، إلا أنه مع إرتفاع وتيرة الزيارات التي يقوم بها مسؤولون لبنانيون إلى ​روسيا​، بات الحديث عن إمكانية أن تكون راغبة في تعزيز نفوذها طبيعياً.

في هذا السياق، تنطلق مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، في حديثها عن الدور الروسي من إرتفاع مستوى التعاون الإقتصادي والثقافي بين البلدين في السنوات الماضية، بالإضافة إلى توقيع شركة "نوفاتك" الروسية، في العام 2018، من ضمن تحالف مع شركتي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، عقوداً للتنقيب عن ​النفط والغاز​ في المياه الإقليمية، لتؤكد أن موسكو تريد تعزيز دورها على مستوى العالم، وبالتالي منطقة الشرق الأوسط أيضاً، الحاضرة فيها منذ أيام الإتحاد السوفياتي السابق، وليس فقط في لبنان.

من وجهة نظر هذه المصادر، الحضور الروسي على الساحة المحلية ليس بالشكل الذي اعتاده اللبنانيون، بالنسبة إلى حضور الدول الإقليمية والدولية الفاعلة، فهي لا تتدخل في تفاصيل الحياة السياسية، نظراً إلى معرفتها لحساسية ودقة الأوضاع فيها، وتحرص، من حيث المبدأ، على أن يكون هناك سلطة فاعلة تكون على علاقة تعاون معها، وتضيف: "موسكو هي من الدول التي لها علاقة مع مختلف الأفرقاء، على عكس ما هو عليه الواقع بالنسبة إلى الكثير من القوى التي تملك حضوراً أقوى على الساحة المحلية".

إنطلاقاً من ذلك، تحرص المصادر نفسها على وصف الدور الروسي بـ"المساعد" غير "المقلق"، وتشير إلى أن وجود موسكو في سوريا أعطاها القدرة على التأثير بشكل أكبر، هذا أمر واقع لا يمكن إنكاره بأي شكل من الأشكال، وترى أن قوة الحضور تتوقف على نوعية المشاكل التي قد تواجه اللبنانيين وإمكانية أن يكون حلها لدى الروس، لكن السؤال يبقى حول وجود أرضيّة لبنانية لتقبل مثل هذا الدور.

من جهة ثانية، توضح مصادر أخرى، عبر "النشرة"، أن بعض القوى اللبنانية وجدت في المبادرة الروسيّة لإعادة النازحين، مخرجاً لها من حتيمة التنسيق مع الدولة السوريّة، لكن في المقابل تضع العديد من العراقيل حول التعاون بين الجانبين في ملفات أخرى، كالتعاون العسكري على سبيل المثال، وتشير إلى أن الأمر متعلق بالإعتماد اللبناني على الدول الغربية، ما يعني أن أي إنفتاح على موسكو سيؤدي إلى توتر مع القوى الغربية، لا سيما مع ​الولايات المتحدة​، كما هو الحال بالنسبة إلى الأزمة بين أنقرة وواشنطن، بسبب رغبة تركيا في الحصول على أنظمة الدفاع الصاروخي اس- 400 الروسية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى أن توزع النفوذ الإقليمي والدولي على الساحة المحلية واضح، حيث الوجود الإيراني والسعودي والأميركي والفرنسي، وتلفت إلى أن أغلب القوى اللبنانية الفاعلة مرتبطة بدولة من الدول المذكورة، في حين أن ليس هناك من فريق محلي يمكن القول أنه على علاقة مشابهة مع موسكو، أي أنها لا تملك الأدوات، وترجح أن يكون الهمّ الروسي، في المرحلة الراهنة، التركيز على الساحة السورية، وبالتالي ترى أن مبادرتها بشأن النازحين تصب في هذا الإتجاه، مع العلم أنها لا تقتصر على الجانب اللبناني، بل تشمل أيضاً الأردن وتركيا، وهي جزء من دورها على مستوى المنطقة.

ما تقدم، بالنسبة إلى هذه المصادر، لا يعني أن موسكو لا يمكن أن يكون لها الدور الفاعل على الساحة اللبنانية، لكنها تؤكد أن ذلك لن يكون في وقت قريب، نظراً إلى أنها قد تواجه ممانعة من قوى حليفة لها، هي على إرتباط مع قوى إقليمية أو دولية أخرى، إلا أنها توضح أن هذا الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على قدرتها على معالجة الأزمة السوريّة من جهة، وعلى حلّ أزمة النازحين من جهة ثانية، وتضيف: "الوجود في سوريا يعطيها القدرة على التأثير، لا سيما في لبنان، لكن هل تنجح"؟.

في المحصلة، ترى هذه المصادر أن روسيا، إنطلاقاً من معرفته بالساحة اللبنانية، ربما تفضل أن يكون دورها مختلف، بحيث تكون عاملاً مساعداً في معالجة الأزمات، من دون أن تكون لاعباً يومياً يدخل في تفاصيل الحياة السياسية.