لا يتردد سياسي لبناني يرتبط بعلاقة وثيقة مع الأميركيين، من القول: أصبحنا خارج المعادلة الدولية، ولا إكتراث بنا، ولا رغبة لدى ​البيت الأبيض​ بمساندة لبنان. وحين سأل السياسي نفسه مسؤولا اميركيا رفيعاً عن قدرة واشنطن عن التخلي عن لبنان، ردّ: وهل أنتم اهم من الأتراك او ال​باكستان​يين بالنسبة الى واشنطن؟! بالطبع لا. رغم ذلك، تخلّت الولايات المتحدة عن ​تركيا​ وباكستان. ما هو سبل التخلي الأميركي عن الاتراك والباكستانيين؟ تختلف الاسباب المباشرة، عن الأسباب غير المباشرة، وتتخطى ما بات معروفا حول طلب واشنطن من أنقره اطلاق سراح قسيس سجنته تركيا، الى تموضع تركي جديد الى جانب ال​ايران​يين والروس. أتت الاجراءات الأميركية ضد تركيا، فتدحرجت العملة سريعا.

ايضاً، يسجّل الأميركيون ملاحظات عدة حول دعم باكستاني لجماعة طالبان، ما يفرض إجراءات أميركية عقابية مفتوحة.

يقول السياسي نفسه، إن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ يعتمد على العقوبات الماليّة من دون أي مواجهة عسكريّة، ولا طلب المؤازرة من أيّ حليف. وتحت وطأة الضغوطات الداخلية، يزيد ترامب من سبل التضييق على الانظمة والأشخاص والمؤسسات التي باتت ترتبط ب​روسيا​.

ماذا عن لبنان؟ يجاوب السياسي العائد من واشنطن بإنطباع سيّء: لقد اصبح بلدنا خارج مساحة الاكتراث، وصار توطين الفلسطيني مدخلاً لأيّ اهتمام بنا. يشير هنا الى قرار وقف تمويل "​الأونروا​"، ما يعني ذلك ان لبنان ملزم بتأمين البدائل للفلسطينيين، كالسماح لهم بالعمل، ودمجهم اكثر بالمجتمع اللبناني، والاسقاط العملي لمفهوم ​حق العودة​ الى الاراضي الفلسطينية.

لا يجد السياسي ذاته ان هناك رغبة روسيّة، ولا صينيّة، بدعم عملي للبنان، كما كانت تفعل واشنطن. يشير هنا الى تسليح ​الجيش اللبناني​، حيث يواصل الجيش الاميركي تنفيذ الدعم، بينما لا يقبل الروس تزويدنا بقطعة سلاح كلاشنكوف واحدة من دون بدل مالي.

بإستثناء الدعم الاميركي للجيش اللبناني، سقط كل الدعم الآخر، لأن لبنان لم يعد بلدا مهما للأميركيين. هذا ما سمعه السياسي نفسه. فيسأل: لماذا جال وفد الخارجية الأميركية المعني ب​سوريا​، على كل الدول المحيطة بها، بإستثناء لبنان؟ انها رسالة واضحة عن عدم الاكتراث، فلا يهم واشنطن امر ​النازحين السوريين​. فلتتحمل الدول الاوروبيّة تداعيات أيّ خطوة من هذا النوع. بينما الاوروبيّون عاجزون عن رعاية لبنان بشكل كامل، وملء الفراغ الذي يتركه الأميركيون.

يسأل السياسي المطّلع على الموقف الأميركي نفسه: هل تنجح الدبلوماسيّة اللبنانيّة بإعادة وصل ما انقطع؟ فيأتي الجواب: ان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ نفسه، أعلن اصطفافه مع الروسي، عندما تحدث عن علاقة تربطه بالرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​، فمن هو صديق الأميركيين في لبنان؟ ولماذا تؤازر الولايات المتحدة بلدا يرتبط مسؤولوه بعلاقات وصداقات مع دول اخرى؟ يقول السياسي نفسه: ان رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل اللذين يمضيان بسياسة واحدة، هما حليفان لايران، رغم كل الكلام الدبلوماسي الآخر عن علاقة مع كل العواصم الفاعلة. يشير السياسي الى ترقب اللقاءات التي سيجريها الرئيس عون في نيويورك بعد أيام، لمعرفة حجمها ودلالاتها.

كل ذلك، يرتبط بمؤشرات أميركيّة، تهدف الى رفع الغطاء عن لبنان، الذي بات مهدد الاقتصاد بغياب حكومة تتحمل المسؤولية وتترجم تنفيذ التعهدات امام المجتمع الدولي.

يستنتج السياسي نفسه من لقاءاته واجتماعاته مع الأميركيين ان وضع لبنان صعب، فقد دخل في نفق طويل. ولن يتدخّل احد لانقاذه من ازماته المالية والإجتماعية المرتقبة.