لو قُيض لمتابعي مسار تأليف الحكومة والمشاورات القائمة منذ مائة وأربعة أيام، ان يعطوا وصفاً لما يجري لاستعانوا فوراً بأغنية فيروز التي تقول في مطلعها «يا دارة دوري فينا»، فكل القوى السياسية المعنية بملف التأليف ما تزال طوال هذه المدة التي أعقبت تسمية الرئيس المكلف حتى الساعة تدور في دائرة مغلقة حيث لم يسجل أي تقدّم يذكر، فالعقد ما تزال على حالها، لا بل إن المعطيات التي برزت في اليومين الماضيين تؤكد بأن منسوب هذه العقد إلى ارتفاع، وأن هاجس الخوف بدأ يدق الباب حول إمكانية ان تحصل متغيرات في بعض المواقف السياسية فيصبح ما كان مقبولاً منذ أسابيع غير مقبول الآن، مما يعيد الأمور إلى الوراء إن لم نقل إلى أدنى من ذلك.

إن ما برز من مواقف لتكتل «لبنان القوي» لجهة وصف التشكيلة الحكومية التي أودعها الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بأنها «رفع عتب»، وإعلان رفضه ما اسماه إجهاض نتائج الانتخابات ونسف دور رئيس الجمهورية يؤشر بشكل واضح إلى ارتطام المساعي الجارية للتفاهم على توليفة حكومية بالحائط المسدود، وان الجهود التي بذلت في سبيل التأليف قد ذهبت ادراج الرياح، وقد جاء بيان كتلة «المستقبل» ليرسخ مسألة الخوف من ان نكون امام أزمة سياسية تحول دون ولادة الحكومة في وقت قريب، حيث ردّ الرئيس الحريري بشكل غير مباشر على بيان ​قصر بعبدا​ بالأمس بقوله: «ان معايير تشكيل الحكومات يحددها الدستور، وأي رأي خلاف ذلك يبقى في إطار وجهات النظر، معلناً التمسك بالطائف نصاً وروحاً، وان أي محاولة للخروج هي محاولة للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء، ويفسر كلام الكتلة في هذا السياق بأنه تنبيه من نسف التسوية الرئاسية التي جاءت بالرئيس عون إلى ​رئاسة الجمهورية​».

وفي دلالة واضحة على تفاقم الوضع السياسي وعودة الأمور إلى نقطة الصفر اعتبار رؤساء الحكومات السابقين ​تمام سلام​، ​نجيب ميقاتي​ و​فؤاد السنيورة​ ان إشارة بيان رئاسة الجمهورية إلى الأسس والمعايير في التأليف في غير محلها، لأنها تستند إلى مفهوم غير موجود في النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات في لبنان، هذه المواقف مجتمعة تؤشر إلى ان البلد يتجه إلى الدخول في أزمة تتعدّى مسألة التأليف إلى أبعد من ذلك بكثير لتصل إلى أزمة سياسية شديدة التعقيد، خصوصاً وان البعض من أهل السياسة يُؤكّد بأن تأخير عملية التأليف يعود للخلافات السياسية الموجودة أكثر من الخلاف على الحقائب والتمثيل، وهذا يعني ان الأزمة الموجودة باتت تتطلب جلوس الأفرقاء على الطاولة والنقاش وجهاً لوجه بالنقاط التي تمنع ولادة الحكومة.

وفي هذا السياق، أعربت مصادر سياسية متابعة عن مخاوفها من استيطان عملية التأليف المربع الأوّل مُـدّة طويلة خصوصاً وان بشائر ذلك بدأت تبرز من خلال المواقف التي أطلقت في الساعات الماضية، وكان من بينها ما اعلنه نائب رئيس «القوات اللبنانية» النائب ​جورج عدوان​ من أن حزبه ربما يعود إلى مطلبه الأوّل أي خمسة وزراء مع حقيبة سيادية بعد ان قَبل بأربعة من دون السيادية، وهذا الموقف القواتي الذي جاء في لحظة مناقشة التوليفة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية جاء بعد ان لمس المفاوضون في هذا الحزب عدم رغبة جدية من قبل الفريق الآخر ويعنون بذلك «التيار الوطني الحر» بالتفاوض للوصول إلى حكومة تحظى برضى كل الأطراف، وكشفت هذه المصادر ان من بين الملاحظات التي ابداها الرئيس عون على تشكيلة الرئيس المكلف هي رفضه ان يكون الوزراء الدروز الثلاثة من حصة النائب ​وليد جنبلاط​ لاعتقاده بأن ذلك يعطي جنبلاط ورقة التعطيل الميثاقي للحكومة وقت يشاء، وهذا الأمر ناقشه الرئيس الحريري مع رئيس اللقاء الديموقراطي ​تيمور جنبلاط​ الذي خرج من بيت الوسط أكثر تمسكاً واصراراً برفض ان يُشارك اي طرف الحزب التقدمي الحصة الدرزية في الحكومة.

كل هذا يجري والقوى السياسية غافلة أو متغفلة عن ملفات داهمة هي أقرب إلى القنابل الموقوتة التي ستنفجر في وجه كل اللبنانيين في أية لحظة وهي تبدأ بالوضع الاقتصادي الواقف على عتبة الانهيار، وتمر بملف النازحين وصولاً إلى ملف التوطين، حيث ان مواجهة هذه الملفات يتطلب حكومة مكتملة الاوصاف واستقراراً سياسياً وأمنياً في البلاد، سيما وان لبنان يشاركه في هذه الملفات عوامل إقليمية ودولية لن تنتظره طويلاً قبل البت بمصير ملفي النزوح والتوطين في ظل استعجال أميركي لطي هذين الملفين على حساب الدول المضيفة والدليل الأكبر على ذلك اتخاذ الإدارة الأميركية قراراً بالامتناع عن دفع حصتها في تمويل وكالة «الاونروا» في إشارة واضحة على بدء واشنطن السير باتجاه القضاء على حق العودة للفلسطينيين.