غموض يلف التقارير الاسرائيلية حول الهجمات التي شنتها تل ابيب على ​سوريا​. لكنه لا يخفي أمرين: قلق متصاعد، وترقب مريب.

الصحافة العبرية التي بحثت عن معلومة حول ما جرى في مطار المزّة منذ أيام، ولم تجد أي إشارة حول عدوان ​إسرائيل​ي على المطار، إهتمت بتقرير عن هجوم تعرّضت له قافلة، "تضم قوّات ​إيران​يّة ومجموعات شيعيّة، جرى قصفها بالقرب من قاعدة أميركيّة في جيب التنف الواقع جنوب شرق سوريا". تتحدث الصحافة نفسها، عن محطات ماضية نُسبت خلالها عمليات قصف جوي -استهدفت قوافل في هذه المنطقة- إلى إسرائيل، وللولايات المتحدة أيضاً.

الاسرائيليون يتوقفون عند طبيعة المنطقة، ويستهدفون تلك المجموعات كما يقولون، "في ممر تعبره القوافل التي تنقل المقاتلين والعتاد العسكري من إيران إلى ​العراق​ ومن هناك إلى سوريا و​لبنان​".

كل الاهتمام الاسرائيلي ينصبّ الآن على الحدود الشرقية لسوريا، رغم التعاون العراقي مع الأميركيين، فتحاول تل ابيب تضخيم الخطر القادم اليها، والقول عبر صحافتها "إن المقاتلين والصواريخ المتوسطة المدى، يتم نقلها من إيران الى العراق، وسوريا". لم يقتصر التحذير الاسرائيلي عند هذه الحدود، بل وصل الى حد تكرار المسؤولين الاسرائيليين -بينهم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان-، معزوفة الخطر الايراني، لحث الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ على ترجمة ضغوطات ادارته على طهران، وفي الوقت نفسه، تسليف معارضي ترامب داخل ​الولايات المتحدة​ اوراق حجّة، تقوم على معادلة: ان ترامب تنازل للروس عن سوريا، وترك الاسرائيليين يواجهون الخطر الوجودي، جرّاء التهديدات الايرانية للدولة العبرية.

لم تترك اسرائيل محطة او حادثة، أو إشارة، الاّ وعملت على استغلالها، لدفع الأميركيين على عدم التنازل عن النفوذ في سوريا، ما يدل على عدم الثقة بالضمانات الروسية التي قدمتها موسكو للاسرائيليين.

وعلى خلفية زيارة موفدين أميركيين الى تل ابيب، ومسؤولين إيرانيين كبار إلى سوريا، نشرت الصحافة العبرية تقارير تفيد "أن إسرائيل غير راضية بتاتاً عن التسوية التي تبلورت مع ​روسيا​ بشأن إبعاد القوات الإيرانية في سوريا عن حدودها. صحيح أن موسكو لا تزال متمسكة بوعدها بإبعاد الإيرانيين إلى مسافة 80 كيلومتراً (وبحسب رواية أُخرى إلى مسافة 100 كيلومتر) عن الحدود في ​الجولان​، لكن هذا التعهد لا يشمل تعهداً من العاصمة دمشق نفسها".

كل ذلك يوحي أن تل أبيب لن ترضى بمعادلة العودة الى قواعد إشتباك ما قبل عام 2011، من دون اي مكاسب جديدة، لا تقتصر على ما قدمته موسكو أمنيا، بل تطال جوانب سياسية، تبدأ من فرض التنازلات السورية-الايرانية، بشأن حق عودة الفلسطينيين الى اراضيهم. ولذلك تلوّح اسرائيل بإنهاء الهدنة القصيرة على الحدود مع سوريا التي حلّت ما بين شباط وتموز. رغم الاعتراف الاسرائيلي بهدوء جبهة الجنوب السوري بعد استعادة دمشق لزمام السلطة في القنيطرة الحدودية. لذلك، مهّدت تل ابيب الى ابداء جهوزيتها لتنفيذ اعتداءات على سوريا، تحت عنوان: الاحتفاظ بحقها في الرد على كل ما تعتبره خطراً ويمثل أيضاً في نظرها خرقاً للتفاهمات مع الروس. هي بالطبع رسالة الى موسكو، التي تحاول ان تسوّق هدنة دائمة بين الاسرائيليين والسوريين. لكنها لم تنجح، بفعل شروط إسرائيلية تعجيزية، لا تستطيع روسيا فرضها على السوريين، ولا منع التفاهم والتنسيق السوري-الايراني الذي ترجمته دمشق منذ ايام بتوقيع معاهدات تعاون جديدة بين البلدين تبقي المستشارين الايرانيين على الاراضي السورية.

هذا كله يعني ان الكباش مستمر في الشرق الاوسط، يتظهّر الآن حول ادلب لمنع ​الجيش السوري​ من اعادة تلك المحافظة الى حضن الدولة السورية. ليس الهم الاميركي، ولا الاسرائيلي، سلام ادلب، بقدر ما تعني استعادتها وضرب نفوذ المسلحين فيها، اعادة دمشق الى عزّها، بإنهاء آخر معاقل الارهاب، واعلان انتصار نظام الرئيس ​بشار الأسد​، بعد قطوع صعب جدا، استمر لاكثر من سبع سنوات ونصف، حتى الآن، في سوريا.

لكن، ماذا تستطيع ان تفعل تل ابيب في سوريا، بعد تجاوز دمشق أصعب مطبّ وجودي مرّ منذ عام 2011؟ لا شيء، سوى إبقاء التوتر قائم، ليكون الرد السوري بمزيد من ضرب نفوذ المسلحين وعودة سلطة الدولة.