على الرغم من معرفته بأنها لن تكون "مقبولة"، قدم رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، يوم الاثنين الماضي، إلى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الصيغة الأولية ل​تشكيل الحكومة​، ليعلن فيما بعد المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري، أن لدى الرئيس ملاحظات عليها متعلقة بالمعايير التي من المفترض أن تعتمد، الأمر الّذي استغلّه البعض لنقل المعركة من مكان الى آخر، من خلاف على الحصص بين الأفرقاء السياسيين إلى صراع حول صلاحيّات رئيس الحكومة التي نص عليها ​إتفاق الطائف​.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن المشاورات والإتصالات المتعلقة بالتأليف هدأت في اليومين الماضيين، بانتظار ما يمكن أن يحصل، في المستقبل القريب، لا سيما أن الأجواء الحالية لا تساعد بالوصول إلى حل، مع إرتفاع حدة الإتهامات بين أعضاء تكتل "​لبنان القوي​" وكتلة "المستقبل"، لكن أين العقدة الحقيقية؟.

من وجهة نظر مصادر سياسيّة مطلعة، العقدة لا تزال في الموقف السعودي، الذي يؤكّد على الحريري ضرورة أخذ مطالب كل من رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ ورئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ في عين الإعتبار، على عكس ما يحاول البعض الترويج بأنها خلاف على الحصص بين الأفرقاء المحليين، وتعتبر أنه لو كانت المشاكل داخلية فقط كان من الممكن معالجتها من خلال تكثيف المشاورات حولها.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما طرح في الصيغة الأخيرة يدرك الحريري، قبل غيره، أنه لا يمكن أن يقبل به رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال، لا سيما بالنسبة إلى حصول "القوات" على 4 وزارات، لا تتضمن وزير دولة، على أن يكون وزراء الدولة المسيحيون الثلاثة من حصة الرئيس و"لبنان القوي"، بالإضافة إلى مطلب "الإشتراكي" حصر تمثيل الطائفة الدرزية به، ما يعني الإمساك بورقة الميثاقيّة التي قد تتحول إلى "فيتو" يُرفع عند الحاجة، وبالتالي لن تتشكل أي حكومة قبل معالجة هذا الأمر.

في رأي المصادر نفسها، الحل لهذه المشاكل ممكن، لو كانت العقد داخلية فقط، نظراً إلى أن حصول "القوات" على وزير دولة من المفترض أن يكون أمراً مفروغاً منه، في حين أن معالجة التمثيل الدرزي من الممكن أن تكون عن طريق المبادلة، أي بحصول "الإشتراكي" على حصة من 3 وزراء تتضمن 2 من الطائفة الدرزية و1 مسيحي كاثوليكي، ما يعني أخذ الحصة التي يريدها من دون إمتلاك "فيتو" الميثاقيّة، الذي لن يقبل به رئيس الجمهورية، مع العلم أنه فيما لو أعتمد معيار واحد للتأليف قد لا يكون له الحق في الحصول على أكثر من وزيرين.

أمام هذا الواقع المعقّد، تطرح الكثير من الأسئلة حول الخيارات التي أمام رئيس الحكومة المكلّف للخروج من الأزمة الراهنة؟ لا سيما أنه بات من المستغرب أن يكون في طور التجاوب مع الرغبات ​السعودية​ بعد الّذي حصل معه لدى إجباره على تقديم إستقالته قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة.

من وجهة نظر مصادر سياسية أخرى، الكرة لا تزال في ملعب الحريري، رغم الصيغة التي قدمها إلى رئيس الجمهورية، لمعالجة الملاحظات عليها، خصوصاً أن ما يقوم به، حتى الآن، لا يزال من دون أي مقابل من الجانب السعودي، وهو اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: أن يذهب إلى تشكيل حكومة، تراعي نتائج الإنتخابات النيابيّة، بالإتفاق مع عون بغضّ النظر عن موقف الرياض، أو الحصول على ضوء أخضر من الأخيرة ليقوم بذلك، وترجّح أن يقوم بذلك في نهاية المطاف، إلا أنها ترى أن الأمر قد يكون بحاجة إلى المزيد من الوقت، لكن ماذا عن موقف باقي الأفرقاء في هذه الحال؟.

تؤكد المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن الحريري لا يزال يحظى بدعم كل من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، بالإضافة إلى رغبة "​التيار الوطني الحر​" بأن يكون رئيس الحكومة المقبلة بغضّ النظر عن كل ما يقال من قبل البعض، لكن في الجهة المقابلة قد يفضل "القوات"، في حال كانت هذه الخطوة من دون غطاء سعودي كامل، أن ينتقل إلى ضفة المعارضة، بينما سيعود "الإشتراكي" إلى الدخول في الحكومة بالحصّة التي ستُعرض عليه، أي 2 دروز و1 كاثوليكي، على أن يقود ذلك إلى تمثيل حزب "الكتائب".

في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أن هذا هو الحل الوحيد أمام رئيس الحكومة المكلّف، لأن الرهان على أن رئيس الجمهورية "محشور" في الوقت ثبت أنه ليس في مكانه، وتسأل: "هل يعيد التجربة التي أقدم عليها عندما ذهب إلى تبنّي ترشيح عون لرئاسة الجمهورية من دون غطاء سعودي حكومياً"؟.