لا يتجه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ لاتخاذ أي "خطوات تصعيدية" بالملف الحكومي قبل سفره بعد ايام الى ​ستراسبورغ​ للمشاركة في افتتاح أعمال ​البرلمان الأوروبي​، ومن ثم لترؤس وفد ​لبنان​ الى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. حتى أن مصادر مطلعة على موقفه تستغرب مجرد اقحام مصطلح "التصعيد" في عملية التأليف، خاصة بعدما تحرك الملف مؤخرا مع تقديم رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ صيغة جديدة مطلع الأسبوع الحالي، وضع عليها الرئيس عون ملاحظاته.

وتصف المصادر خطوة الحريري هذه بـ"المتقدمة" وان كانت الصيغة ليست نهائية، واقتصرت على توزيع الحقائب على القوى السياسية من دون اسقاط الأسماء عليها، أو حتى الحصول من الفرقاء كافة على موقف معين منها، لافتة الى أن الرئيس عون كان سبق أن أكد أنه ابتداء من الأول من ايلول سيتحرك الملف الحكومي، وهذا ما حصل. وتضيف المصادر: "نحن لسنا في خضم مشكل أو صراع للحديث عن تصعيد، كما ان الأمور لم تصل الى حائط مسدود للحديث عن خيارات وخطوات دستورية قد يلجأ اليها الرئيس عون قريبا، بل هناك صيغة تم التقدم بها، وضع رئيس الجمهورية ملاحظاته عليها وأبلغ الحريري بها كي يعيد النظر بالتشكيلة ككل ويتابع مشاوراته مع الأفرقاء، خاصة وأنه لم يفاتحهم بتفاصيلها أصلا".

كل شيء كان طبيعيا ومفهوما في بعبدا الى أن بدأ الحديث عن صراع على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، وخرج رؤساء الحكومة السابقين للقول أن الأسس والمعايير التي كان حدّدها رئيس الجمهورية لشكل الحكومة "إشارة في غير محلها"... فتقصّد البعض أن ينحرف القطار الحكومي من سكّة التشكيل الى سكة الصراع على الصلاحيات، ما يطرح أكثر من علامة استفهام في أروقة ​القصر الجمهوري​، "لا بل يثير مخاوف حقيقية من أن يكون وضع هذا الملفّ على الطاولة، وفتح سجال بخصوصه، هدفه الحقيقي صرف النظر عن عملية ​تشكيل الحكومة​ ككل"، هذا ما تقوله المصادر معتبرة أن "ما حصل ويحصل "أمر ملفت ومستغرب لا سيّما وأن الرئيس عون لم يؤشّر من قريب أو بعيد حيال صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف، بل قام باحدى الصلاحيات الواضحة تماما بالدستور الذي ينص على ان اصدار مرسوم تشكيل الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة المكلف، فيتقدم الاخير بتشكيلته ويحق لرئيس الجمهورية أن يقبلها ويوقع عليها أو يرفضها، وهو ما قام به الرئيس الأسبق ​ميشال سليمان​ في مرحلة ماضية حين رفض صيغة تقدم بها الحريري فأعيد تكليفه". وتضيف المصادر: "لكن المفارقة أن الرئيس عون لم يرفض التشكيلة حتى، بل أبدى فقط ملاحظاته عليها، فكيف يكون بذلك قد تعدّى على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري"؟!.

وتشدد المصادر على أن "الرئيس عون من أكثر الحريصين على صلاحيات ​رئاسة الحكومة​، لكنه في الوقت عينه حريص كل الحرص على صلاحياته، ولا يمكن أن يقبل باتهامه بالتعدي على صلاحيات غيره او منعه من تنفيذ دوره والقيام بمهامه تحت حجج واهية"، لافتة الى أنه "لم يقم بشيء خارج عن الاطار المألوف، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن خلفيات فتح السجال حول الصلاحيات وأهدافه".

بالمحصلة، بات واضحا أن في بعبدا الكثير من الحكمة والتروّي في ادارة الملف الحكومي، والأهمّ، الكثير من الحرص على عدم الانجرار الى سجالات تؤدي الى انفجار أزمة سياسية–حكومية–دستورية مفتوحة. أما "الخطوات الدستوريّة" التي قد يلجأ الرئيس عون في حال فشل الاتفاق على صيغة نهائية مع الحريري، فمتروكة في خانة آخر الخيارات المتاحة التي سيتم اللجوء اليها قبل أمتار قليلة من الوصول الى الحائط المسدود.