منذ توتّر الأجواء على خلفية العقد التي تحول دون ولادة الحكومة المقبلة، تحاول بعض الجهات في تيار "المستقبل" أخذ المعركة إلى مكان آخر، يتعلّق بصلاحيات كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ظنًّا منها أن هذا الأمر سيكون مربحاً لها على المستوى الشعبي، في حين أن هناك من ذهب أبعد من ذلك، كوزير الدولة لشؤون النازحين ​معين المرعبي​ على سبيل المثال، من خلال طرح إلغاء الطائفية السياسية "ليأخذ كل فريق حجمه على قاعدة الديمقراطية العددية".

من حيث المبدأ، قد يكون من الضروري إلغاء الطائفية السياسية في ​لبنان​، لكن ما يريده المرعبي ليس الوصول إلى هذا الهدف، نظراً إلى أنه ألحق دعوته بالإعراب عن أسفه لأن "ربع اللبنانيين يأخذون نصف وظائف الدولة"، فهل من مصلحة تيار "المستقبل" فتح هذه المعركة في الوقت الراهن؟.

من وجهة نظر مصادر سياسية مطّلعة، يدرك "المستقبل" أن العقد الحقيقية، التي تحول دون ولادة الحكومة المقبلة، لا تتعلق بأي صراع على الصلاحيات، نظراً إلى أن ​الدستور​ واضح فيما يتعلق بدور رئيس الجمهورية في التشكيل، لا سيما المادة 53 منه التي تنص على أن مرسوم تأليف الحكومة يصدر بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، ما يعني أن لرئيس الجمهورية الحق في الرفض في حال لم يكن موافقاً على الصيغة التي قدمت له من قبل رئيس الحكومة المكلّف، أي أنه شريك فيها.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى ​الرئيس ميشال عون​ كان منذ تشكيل الحكومة الحالية قد أعلن أن حكومة العهد ستكون تلك التي تلي ​الإنتخابات النيابية​، وبالتالي من غير المنطقي ألاّ يكون شريكاً فيها، خصوصاً أن عمرها قد يمتد حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، أي ما تبقى من سنوات ولايته الرئاسية، وتسأل: "هل يمكن له أن يوافق على صيغة يرى أنها من الممكن ألاّ تكون منتجة، وبالتالي عرقلة مسيرة عهده حيث يراهن عليه القسم الأكبر من اللبنانيين"؟.

بالنسبة إلى هذه المصادر، قد يكون "المستقبل" رابحاً، مرحلياً، من خلال خوض هذه المعركة، على قاعدة القول أنه المدافع عن صلاحيات موقع رئاسة الحكومة، في حين كانت توجه له الإتهامات، من قبل خصومه، بـ"التفريط" بها، لكن ماذا بعد ذلك، هل يستطيع الإستمرار في النهج نفسه مطوّلاً، في الوقت الذي بدأت فيه الأصوات من قبل كل الأفرقاء بضرورة أن يتم تحديد مهلة زمنيّة، في الدستور، لتأليف الحكومات، مع تكرار عمليّات التأخير أكثر من مرة منذ العام 2005؟.

على صعيد متصل، تشير مصادر سياسيّة أخرى، عبر "النشرة"، إلى أن "المستقبل"، الذي كان من أبرز المستفيدين من الرعاية السوريّة ل​اتفاق الطائف​، لا يمكن له أن يكون المبادر إلى فتح باب إدخال تعديلات عليه، خصوصاً أن هذا الإتفاق نقل الكثير من الصلاحيات إلى رئاسة الحكومة أو إلى ​مجلس الوزراء​ مجتمعاً، الأمر الذي يُفسر قلقه الدائم من أي حديث عن هذا الموضوع من قبل أي جهة سياسية.

من وجهة نظر هذه المصادر، أي تعديلات دستورية لن تصب في صالحه، حتى تلك التي ألمح فيها المرعبي بشكل أو بآخر، إلى طرح المثالثة كبديل عن المناصفة، بالرغم من أن رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ هو صاحب نظرية "أوقفنا العد"، وتسأل: "هل يظن أن صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف ستبقى على ما هي عليه في حال فتح هذا الباب على مصراعيه"؟.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على ضرورة أن تدرك قيادة التيار حجم المعركة، بدل الذهاب بعيداً في معركة الهروب إلى الأمام، مستغربة ما يطرح على هذا الصعيد في حين كان "المستقبل" يوجّه الإتهامات إلى "​التيار الوطني الحر​" و"​حزب الله​"، في السنوات السابقة، بالسعي إلى المثالثة.