لا شك ان الوضع السياسي في ​لبنان​ ليس على طبيعته، كما ان الانشقاق الذي يخيّم عليه يأخذ طابعاً خارجياً مهما قيل في هذا السياق، ومن الواضح وجود تأثيرات سلبية عديدة ترخي بظلالها على الوضع اللبناني على اكثر من صعيد. ولكن، رغم كل هذه الغيوم السوداء، لا بد من التوقف عند بعض النقاط الايجابية التي لاحظها ويلاحظها اللبنانيون خلال هذه الفترة الممتدة منذ تكليف النائب ​سعد الحريري​ ​تشكيل الحكومة​ العتيدة وحتى اليوم:

-استقرار الوضع الامني: لطالما كان لبنان يعاني من مشاكل امنية كلما اطلّت المشاكل السياسية برأسها، وحتى لو لم تتطور الى حروب، لكنها كانت تتنقل بين عمليات ارهابية وقيام مجموعات مسلّحة بزعزعة الامن في عدد من المناطق. انما خلال الفترة المنصرمة، استمر لبنان ينعم بالاستقرار الامني الذي فرضه الجيش اللبناني والاجهزة الامنية الاخرى، كما انه تم تعزيزه من خلال خطط تم وضعها للسيطرة على اي فلتان امني قد يطرأ.

-تحييد الشارع: يمكن القول ان هذه النقطة مرتبطة بسابقتها، لان تحريك الشارع من شأنه ان يشكل خطراً جدياً على الوضع الامني بشكل عام، وهو ما اختبره لبنان في اكثر من مناسبة. ولكن اللافت في المسألة ان التيارات والاحزاب السياسية على اختلافها، اتّفقت على ما يبدو على عدم استعمال الشارع لان تداعياته ستطال الجميع وتهدد الوضع الامني برمّته، وحتى مع التهويل او التلميح بامكان استخدام الشارع، لم يبادر احد الى الاعلان عن اتّباع هذه الخطوة لانها تحمل خطورة لا يمكن الاستهتار بها.

-استقرار الوضع المالي: لم يسلم القطاع المالي اللبناني من محاولات العبث به وتحطيم صورته وزعزعة اساساته، وذهب البعض الى تحديد موعد انهيار لبنان مالياً (على غرار المواعيد التي تم تحديدها مراراً وتكراراً لنهاية العالم)، لكن هذه التوقعات لم تتحول الى واقع ملموس. ولا تزال ​الليرة اللبنانية​ صامدة و​القطاع المصرفي​ واقفاً، وذلك بمعزل عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يفرض نفسه على الحياة اليومية اللبنانية. قد يكون هذا الواقع المالي مشابهاً لما كان يحصل في السابق عند حصول ازمات وتحديات تواجه لبنان، ولكنه هذه المرة يكتسب وقعاً اضافياً كونه استُهدف بشكل مباشر وبقي صامداً.

-استمرار التعاطي مع لبنان: لم يتم تحييد لبنان من اي مشاورات او محادثات او اتصالات تُجرى لها انعكاس مباشر عليه، فاستمرار الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال، قابله عدم وجود فراغ في موقع رئاسة الجمهورية ووجود مجلس نيابي منتخب حديثاً سيبدأ اعماله قريباً وفق ما هو متوقع. وهذا الامر مؤشر ايجابي على ان التعاطي الخارجي مع لبنان لم يتأثر بالخلافات الداخلية الموضوعة على نار خارجية، وبقي احترامه من حيث الشكل موجوداً، وهو سيشارك من خلال رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في ثلاث محطات قريبة هي: مقر الاتحاد الاوروبي في ستراسبورغ، والجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، والقمة الفرانكوفونية في ارمينيا. دون ان ننسى الاهم والابرز والذي تمثّل بزيارة الوفد الرئاسي الروسي في وقت سابق الى لبنان للبحث في كيفية تطبيق المبادرة الروسية لاعادة ​النازحين السوريين​ الى ديارهم.

كل هذه النقاط وغيرها تعتبر من المؤشرات الايجابية في جوّ سلبي يطغى على لبنان في ظل توتر سياسي متصاعد، فيما الحكومة الجديدة لا تزال محتجزة في انتظار من سيطلق سراحها ويحرّرها من سجنها القسري الذي وجدت نفسها فيه.