لم يكن الفلسطينيون يتوقّعون يوماً أن تتوقف المساعدات الدولية لهم. كان حجم المساعدات تاريخيا يدفع بلبنانيين في منتصف القرن الماضي، الى التخلي عن جنسيتهم، والادّعاء انهم من فلسطينيي الشتات، لنيل مساعدات مالية وغذائية دولية. لكن السنين حملت معها مزيدا من الويلات للفلسطينيين الذين وجدوا انفسهم خارج اطار ​حق العودة​ تدريجيا، الى أن جاء القرار الأميركي حول وقف تمويل "​الأونروا​"، يدفع بإتجاه توطين الفلسطينيين في دول الشتات. انها الرغبة ال​اسرائيل​يّة التي تجد في ادارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الفرصة المناسبة عالميا، معطوفة على اوضاع اقليمية مؤاتية، لم تكن تل أبيب تتوقعها لفرض شروطها على دول عربيّة، في عز الازمات التي تعصف بالشرق الاوسط. انه زمن اسرائيل. صحيح ان رهانات تل ابيب خابت في ​سوريا​، ولم تنجح مشاريع التقسيم والفدرلة، ولم يسقط نظام الرئيس ​بشار الأسد​. وصحيح ايضا ان سوريا بقيت عند ثوابتها، كركيزة في "محور المقاومة". لكن الاسرائيليين يتباهون في تنفيذ ضرباتهم للاراضي السورية، وآخرها في عملية "بيت الاوراق" التي كادت ان تشعل الحرب، كما قالت الصحافة العبرية. فما هي تلك العمليّة؟ هي ضربة اسرائيلية للاراضي السورية تمت قبل نحو اربعة شهور، "واستهدفت التواجد ال​ايران​ي".

ووفقا لموقع "يديعوت احرونوت" فإن الحديث يدور عن المواجهة العسكرية الأوسع بين اسرائيل وإيران، حيث تضمنت العملية تنفيذ الضربة الجوية الأكبر في سوريا منذ انتهاء حرب 1973. يعترف الإسرائيليون أن الظروف لم تكن سهلة، حيث تم إطلاق أكثر من 160 صاروخ من مضادات الطيران السورية والايرانية باتجاه الطائرات الاسرائيلية، التي شاركت في العملية. جرى تنفيذ العملية بحذر وقلق، لأن تل ابيب تخشى من اشتعال إقليمي في حرب طاحنة، تصبح فيها تحت مرمى الصواريخ من كل اتجاه. ومن هنا تنقل صحافتها عن مسؤولين عسكريين بأنهم اجروا تدريبات ومناورات لمختلف السيناريوهات.

الخطة الاسرائيلية تقضي بالتوطين الفلسطيني اولا، لنسف حق العودة، لا بل مواصلة التهجير للفلسطينيين عبر اقتلاعهم من قراهم وارضهم بفرض الاستيطان الاسرائيلي. تلك الخطة، تدفع بإتجاه إقرار عربي علني بالتوطين للفلسطينيين، وتهويد القدس، وابعاد ​الدولة الفلسطينية​ الى مساحات تتخذ من ابوديس عاصمة لها بعيدا من القدس.

هذا الجزء من الخطة يمنع تنفيذه الفلسطينيون، رغم معاقبتهم أميركيا، بوقف تمويل الاونروا، واقفال مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، وتطويقهم بالحصار الطويل، دون معين عربي.

لكن هل تنتهي الخطة الاسرائيلية هنا؟ بالطبع، هي خطة متكاملة، تحاكي الاستعداد لحرب مع لبنان، في حال عدم الرضوخ اللبناني للشروط الاسرائيلية. لكن موازين القوى لا تسمح للاسرائيليين بالتفوق على القوة اللبنانية. ذاك الواقع تعرفه تل ابيب جيدا، منذ ما بعد ​حرب تموز​ منذ 12 عاما. لكن تل ابيب تمسك بأوراق التضييق على لبنان، عبر عواصم دوليّة. هي تضغط لمنع التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، وخصوصا في المساحات المحاذية لمناطق سيطرتها. تحاول التهويل سرا وعلنا ضد شركات النفط. وفي الوقت الذي أنجزت فيه اتفاقا مع اليونانيين للتنقيب عن الغاز، كانت شركة توتال الفرنسية تنسحب من الحقل الجنوبي في ايران، الذي يقع قبالة قطر. واذا كان الانسحاب من ايران يأتي تنفيذا لقرار العقوبات على ​طهران​، وانصياع الفرنسيين لمطالب واشنطن، فلماذا جرى تأجيل التنقيب من قبل توتال نفسها في بلوك ٩ اللبناني الى عام 2020؟ هذا البلوك تحديدا يكتسب اهمية، لوجود مخزون غازي ضخم فيه، ولموقعه الحدودي الجنوبي، بعدما جرى الضغط الدولي على لبنان لتأجيل الاستثمار فيه، خدمة لاسرائيل. لكن رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ يومها اصرّ على البدء بأحد البلوكات الجنوبية المكونة من 8، و9، و10.

الانسحاب التوتالي الفرنسي من ايران، والارجاء في لبنان، يطرح علامات استفهام، خصوصا ان الفرنسيين يسابقون غيرهم في الاستثمار بحقول ​النفط والغاز​ في مصر وليبيا، وقد بات ظاهرا الصراع الفرنسي-الايطالي حول عمليات الفوز بالاستثمار في ليبيا مثلا.

هل يعني ذلك ان تل ابيب نجحت في تأخير التنقيب اللبناني؟ الواضح ان ثمة خطة اسرائيلية متكاملة، الهدف منها اجبار لبنان على الانصياع، وفرض الشروط على كل ارجاء المنطقة. اما مدى نجاحها من عدمه، فمرهون بما تحمله المستجدات الاقليمية من سوريا الى العراق، وأوضاع ايران في كباشها مع دول خليجية. لكن العين ترصد واشنطن، اذا كانت ستحمل جديدا حول رئاسة دونالد ترامب. كلها مؤشرات واضحة، في زمن صعب، اقتصاديا وماليا، وخصوصا في الشرق الاوسط!.