إن القيمة الحقيقية التي تحملها "​عاشوراء​" تكمن في فهم حقيقتها والتعمّق بالمعاني الانسانية التي تجسدها، فهي العقيدة والثبات عليها، هي ثورة دينية إنسانية إجتماعية يعبّر عنها قول ​الامام الحسين​ "والله اني ما خرجت شرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي".

حمل ​الامام موسى الصدر​ فكرا مميزا جعله مختلفا عن باقي رجال الدين، وكان له في فهم عاشوراء دراسات عديدة تصب بمعظمها في مكان واحد، هو "الإنسان"، اذ قال الصدر: "إنّ الساحة الحقيقيّة التي ولدت فيها معركة عاشوراء هي ساحة القيم الإنسانيّة التي لا تنفصل عن الإيمان. أمّا أبعادها فإنّها تمتدّ مع الإنسان ومع حياته أينما كان ومتى يكون، تحطّم جدران سجن ذاته وتربط بينه وبين بني نوعه، وتخلق منه وجوداً كبيراً يفوق حدود الزمانيّة والمكانيّة ويتجاوز قدراته وكفايته".

انطلاقا من هذه المعايير تحيي ​حركة امل​ وكشافة الرسالة الإسلامية ذكرى الامام الحسين، وتجسيدا لهذه المفاهيم أُقيمت في بلدات جنوبية حملات توعوية تنشر أهداف عاشوراء في المجتمع، تحت شعار "شهيد الإصلاح"، فعُلقت في الشوارع صورا تدعو لخدمة اهداف الحسين عبر "زرع شجرة"، "احترام ​قانون السير​"، "النهي عن رمي ​النفايات​ من السيارة"، "مكافحة ظاهرة اطلاق الرصاص ابتهاجا او حزنا"، و"تربية الأطفال على الاخلاق الحميدة".

وفي بلدة أرنون تقوم حملة "شباب علي الأكبر" التابعة ل​كشافة الرسالة الاسلامية​ بمبادرات لدعم التعليم عبر توزيع كتب مدرسية على الفقراء، وكل ذلك في سبيل تحقيق أهداف الإمام الحسين ورؤيته، وفي ميفدون أيضا، أقامت كشافة الرسالة بحملة تحت عنوان "سيدة العطاء" للكشف المبكر عن سرطان الثدي، الى جانب جمع التبرعات خلال المجالس العاشورائية لمساعدة حالات انسانية تعاني من هذا ​السرطان​ في البلدة. وكما في ميفدون كذلك في قانا الجنوبية حيث يقوم فوج البلدة في كشافة الرسالة الاسلامية بتنظيم حملة تبرع بالدم اليوم في الحسينية، تطبيقا للحديث الشريف الذي يقول: "من أحيا نفسا كمثل من أحيا الناس جميعا".

يشير مسؤول المنطقة الاولى في اقليم الجنوب في "حركة أمل" حسن سلمان الى أن الهدف من خلف كل هذه النشاطات كان تحويل "مجالس عاشوراء" الى سلوك تتأثر فيه كل الفئات العمرية بأسلوب عملي معاصر، فانطلقنا نحو توجيه الرسائل الصورية، ومن ثم تطبيق الصور بنشاطات واقعية وربط كل هذه الامور بثورة الامام الحسين الذي هو "شهيد الإصلاح". ويضيف سلمان في حديث لـ"النشرة": "تنتشر الحملات اليوم في 17 قرية جنوبية فيها تجمعات عاشورائية وسنعمل على انتشارها اكثر لما لذلك من فائدة على المجتمع وعلى العلاقات الانسانية فيه"، مشيرا الى أن الحملات تستهدف الصغار والكبار والمرضى والفقراء.

كذلك وبسياق الهدف نفسه أُقيمت حملة "ثورة وعي" التي بدات العام الماضي ولا تزال مستمرة بمواضيع وأهداف جديدة، فهي لا تتوقف عند انتهاء ​مراسم عاشوراء​ بل تستمر بالعمل على مدار العام، وهدفها الرئيسي القول أن ثورة الامام الحسين لم تكن عبثيّة بل جاءت لتعمّم لدينا وعيا جماعيا يقوم على احترام المبادىء الانسانية، والتركيز هذا العام على "رفض ​العنف الأسري​"، وضرورة "الحفاظ على وحدة العائلة".

"يعالج خطباء المنابر الحسينيّة قضايا دينيّة واجتماعية شتى، الا أن الوقت قد لا يسمح لهم للتطرق الى مواضيع كثيرة تهم المجتمع، لذلك وُلدت حملة "ثورة وعي" بتعاون بين خريجي ​الجامعات​ في حركة امل في انصار والمكتب التربوي للحركة وكشافة الرسالة لتضيء على قضايا مجتمعية أساسية"، يقول أسامة صفاوي وهو من العاملين في هذه "الحملة"، مضيفا في حديث لـ"النشرة": "بدأت الفكرة في أنصار وانتشرت الى القرى المجاورة، فشهد العام الماضي إضاءة على مواضيع عديدة أبرزها "التربية المختصة"، و"فرز النفايات" حيث تم اعتماد الفرز في الحسينية وفي مسيرات حركة امل"، وتم جمع أغطية عبوات ​المياه​ واستبدالها بكرسي لذوي الاحتياجات الخاصة.

أما بالنسبة لهذا العام فقد أقامت الحملة بحسب صفاوي معرض رسم يهدف للتوعية حول اهمية الاسرة ودورها في بناء المجتمعات، الى جانب معرض تبادل ​الكتب​ السنوي الهادف لمساعدة ​الطلاب​ على الحصول على ​الكتب المدرسية​ والقرطاسية بأسعار رخيصة واحيانا مجانية. ويقول صفاوي: "​الثورة الحسينية​ هي ثورة متحركة لا تتعلق بمكان وزمان، لذلك نحاول نشر مفاهيم هذه الثورة كما يراها الامام موسى الصدر الذي علمنا أن ثورة الحسين هي ثورة لاجل المبادىء الانسانية".

لا يكفي البكاء ولا لبس السواد حدادا، لإحياء ذكرى هذا الرجل العظيم، فإن كانت العَبرة تجسّد معالم الحزن في عاشوراء، فالعِبرة من هذه المناسبة تكون من خلال السير على طريق الحسين.