لا يبدو ان قطار تشكيل الحكومة العتيدة قد وضع على سكة الحل بعد، وهو يحتاج على ما يبدو الى ايام او اسابيع للخروج من الدوامة التي غرق فيها. وفي حين يتم التركيز على الصعيد المحلي على شخصين فقط في هذا الموضوع من حيث الصلاحيات (اي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء)، بقي اللاعبون الآخرون يتمتعون بهامش معيّن من الحرية، خصوصاً اولئك الذين لم يركبوا قطار الشروط والشروط المضادة.

وفي هذا السياق، يظهر بين الحين والآخر اسم رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ الذي لا يدع مناسبة الا ويحذر فيها من مغبة الاستمرار في تأخير التشكيل واضراره على البلد، كما انه يستقبل فاعليات وسياسيين في ما يوحي بتحرك له من اجل تسهيل التأليف. وفي الواقع، يبدو ان بري هو الرابح الاكبر من الازمة الحكومية الحالية، فهو من الناحية الدستوريّة غير معني بالتشكيل وبعيد كل البعد عن الصراعات الدائرة في هذا السياق، ويستند الى معطيات كثيرة لترسيخ موقعه السياسي لعل ابرزها:

-عدم تسليط الضوء عليه في مسألة تأخير التشكيل، كون الامر محصور بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وهو بعيد عن الخلاف الدائر حول ما يسميه البعض "معركة الصلاحيات الممنوحة" لكل منهما من اجل التأليف. هذا البعد يفسح في المجال امام بري لابراز نفسه كممر اساسي لتسهيل الامور، فالعلاقة مع ​الرئيس ميشال عون​ باتت افضل من اي وقت مضى، وعادت طبيعية مع "التيار الوطني الحر"، كما انه حافظ على شبكة العلاقات التي نسجها مع الاطراف الاخرى من "​تيار المستقبل​" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وغيرهما، فيما ارتفعت حرارة الاتصالات مع "​القوات اللبنانية​". هذه الشبكة جعلت بري يبرز نفسه كـ"همزة وصل" كانت مفقودة بين الاطراف كافة، واعادت اليه (بعد الخلافات التي كانت سائدة سابقاً مع فرقاء آخرين) صورة "مدوّر الزوايا".

-ساهم الاتفاق القائم بين حركة "امل" و"​حزب الله​"، في ابعاد بري عن الخلافات الدائرة بالنسبة الى الحصص وتوزيعها في الملف الحكومي، وعززت من قدرة بري على التحدث بحرية اكبر ومن موقع غير المستفيد من اي كلام عن حصص وغيرها لان حصة الشيعة (وبالتحديد حصو "امل") محفوظة ولا خلاف عليها. هذا الامر يجعل من بري اكثر قدرة على الحديث مع مختلف الاطراف دون اي "نقزة" او قلق من قِبلهم حول تجريدهم اجزاء من حصصهم لصالحه، وهي نقطة قوة مهمة في اي حديث او تفاوض.

-كان لافتاً ما صدر عن رئيس مجلس النواب عندما قدّم رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ تشكيلته المقترحة الى الرئيس عون، حيث نفى علمه بأي شيء يخص هذه التشكيلة، بما يوحي وانه "غسل يديه" منها قبل اطفاء محركات الترويج لها، واعلن بالتالي مسبقاً عدم ابصارها النور. وقد رأى البعض في هذا الموقف رسالة مفادها ان اي تشكيلة لا تمر ب​عين التينة​ او تحظى برضاها، لن تبقى على قيد ​الحياة​ لفترة طويلة.

-انعكس تأثير الأزمة الحكومية ايجاباً على مجلس النواب، اذ يغيب الحديث تماماً عن "الركود" السائد في المجلس بعد الانتخابات النيابية، وذلك رغم التصريحات شبه اليوميّة لرئيس المجلس عن اصراره على الدعوة الى جلسة عامة ربطها بانتهاء اللجان النيابية المشتركة من القوانين التي تدرسها. ومن دون شك، فإن تصريحات بري تمنع اي تفكير باستهداف مجلس النواب، وتبقيه بمنأى عن اي اتهامات بعدم ممارسة مهامه او حتى فتح باب السجالات القانونية حول قدرته على التشريع ام لا في ظل الوضع الراهن.

وفق كل ما سبق ذكره، يمكن القول ان بري هو الرابح من الازمة الحكومية، وهو يعرف تماماً بحكم خبرته الطويلة في العمل السياسي، كيفية الاستفادة من كل ما يحصل من اجل تعزيز صورته وموقعه لدى اللبنانيين.