على الرغم من أنّ أحدًا لم يعد يضع سقوفًا زمنيّة لمسألة تشكيل الحُكومة، نتيجة إستمرار الخلافات والتباينات في الرأي التي تسبّبت بإستمرار التعثّر منذ نحو أربعة أشهر، تترقّب الأوساط السياسيّة المُحاولة الجديدة التي يُنتظر أن يقوم بها رئيس الحُكومة المكُلّف ​سعد الحريري​ باتجاه رئيس الجُمهورية العماد ​ميشال عون​ قُبيل توجّه هذا الأخير إلى ​نيويورك​ حيث سيرأس وفد لبنان إلى إجتماعات الجمعيّة العُموميّة للأمم المتحدة التي ستُعقد بين 23 و26 أيلول الحالي، أو فور عودة الرئيس على أبعد تقدير. فهل من أمل بكسر حال الدوران في الحلقة المُفرغة على صعيد تشكيل الحُكومة؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة إنّ رئيس الحكومة المُكلّف يعتزم التعامل مع ملف تشكيل الحُكومة من خلال مُقاربة جديدة هذه المرّة، بعد أن فشلت كل المُحاولات السابقة. وفي هذا السياق، عُلم أنّ الحريري وبدلاً من أن يُحاول التوافق مع الرئيس على توزيع الحُصص بين الأفرقاء السياسيّين، كما حصل في المرّة السابقة، من دون التوصّل إلى نتائج مُثمرة، سيسعى هذه المرّة إلى الدُخول مُباشرة في توزيع الحقائب. والسبب أنّه في المرّة الماضية، تركّز الخلاف بين "القوّات" و"التيّار" على مسألة الحقائب وليس على مسألة الحُصص الأمر الذي أعاد الأمور إلى الوراء، وكاد يُعيد مُحاولات تأليف الحُكومة إلى نقطة الصفر!.

وللتذكير، فقد رأى حزب "​القوات​" أنّ "التيّار" إعتمد معه سياسة "خُذّ وطالب"، بحيث أسقط أوّلاً مسألة المُناصفة بين الطرفين-كما جاء في الملحق السرّي لتفاهم معراب، ثم أسقط ثانيًا مسألة حُصول "القوات" على ثلث المقاعد الوزاريّة في إنعكاس طبيعي لنسب نتائج ​الإنتخابات النيابية​، ليقوم ثالثًا بتثبيت حُصول "القوات" على وزارة دولة من أصل أربع وزارات من دون أي وزارة سيادية أو منصب نائب رئيس الحُكومة أو وزارة خدماتيّة دسمة، في حين ردّ "التيّار" بأنّ "القوّات" تُحاول حصر وزارات الدولة بحصّة كل من رئيس الجمهوريّة و"الوطني الحُرّ" وبالإستحواذ على أغلبيّة الوزارات الخدماتيّة لتقوية موقعها الشعبي على حساب "التيّار" بعيدًا عن نتائج الإنتخابات النيابيّة.

وبالتالي، قرّر رئيس الحُكومة المُكلّف أن تكون مُقاربته للموضوع الحُكومي في لقائه المُقبل مع رئيس الجُمهوريّة مُرتبطة بالحقائب الثلاثة التي يُمكن أن يوافق "التيّار" على أن تنالها "القوات"، والتي يُمكن أن توافق عليها هذه الأخيرة أيضًا إلى جانب وزارة دولة. وعُلم أنّ باب التفاوض على مسألة إبقاء منصب نائب رئيس الحُكومة في يد حزب "القوّات" في الحُكومة المُقبلة فُتح من جديد، كتعويض لنيل "القوات" وزارة دولة وعلى عدم مُوافقة "التيّار" على التنازل عن ​وزارة الطاقة​ لصالحها. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ عدم تعليق "القوّات" على ما تردّد إعلاميًا في هذا الصدد، يعود إلى إنتظار إبلاغها رسميًا بما هو مطروح عليها من حقائب ومناصب، حيث أنّها لا تزال مُصرّة على أنّ عدم منحها وزارة سياديّة أو وزارات خدماتيّة سيكون مرفوضًا من قبلها، لأنّها تعتبر أنّ منحها ثلاث حقائب عادية مع وزارة دولة لا يعكس حجمها النيابي والشعبي، حتى لوّ جرى الإبقاء على منصب نائب رئيس الحُكومة المَعنوي في يدها.

إشارة إلى أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف كان يرغب بأن يُثبّت مبدأ توزيع الحُصص على كل الأفرقاء الذين سيتمثّلون في الحُكومة المُقبلة قبل فتح باب التفاوض على الحقائب، لكنّ العقبات التي واجهته دفعته إلى تغيير هذا التكتيك. والمسألة لا تنحصر بالكباش السياسي بين "القوّات" و"التيّار" فحسب، بل يطال "شدّ الحبال" بين "التيّار" وكل من "الإشتراكي" و"​المردة​" أيضًا. وفي المعلومات أنّ الحريري سيجسّ النبض-إذا جاز التعبير، بشأن الحقيبة الوازنة التي يُمكن منحها لتيّار "المردة" لمعرفة مدى إمكان سحب حقيبة الأشغال منه والإستفادة منها في عمليّة توزيع الحقائب بين "القوات" و"التيار". والأمر نفسه ينطبق على الحقيبتين اللتين يُمكن منحهما إلى الحزب "الإشتراكي" لحثّه على التنازل عن الحقيبة الثالثة.

إذًا، مساعي تشكيل الحُكومة على موعد قريبًا مع مُقاربة جديدة مُختلفة عن السابق، لا تنطلق من ضرورة التوافق على الحُصص في مرحلة أولى، للإنطلاق بعدها إلى البحث في توزيع الحقائب، بل تسعى إلى إستخدام الحقائب لتحفيز الأفرقاء المَعنيّين على المُوافقة على الحُصص المَمنوحة لهم. فهل ستنجح؟.