لم يكن مقنعاً البيان الصادر عن مكتب النائب ​انور الخليل​ بعد الكلام الذي صدر عنه في حاصبيا واستهدف فيه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بالسياسة طبعاً. عدم الاقتناع مردّه الى عوامل كثيرة اولها ان النائب الخليل ليس حديث العهد في السياسة وقد قضى اكثر من نصف عمره المديد في الحياة العامة ويعرف تماماً ماذا يقول ومتى يقوله. اضافة الى ذلك، فإن خبرة النائب الخليل جعلته يصل الى منصب أمين عام "كتلة التنمية والتحرير" التي تتبع سياسياً لرئيس مجلس النواب نبيه بري، مع كل ما يعنيه ذلك من مسؤولية مترتبة على هذا المركز والجهة السياسية التي يتبع لها. ووفق كل هذه المعطيات وغيرها، من الصعب الاقتناع بأن ما صدر عن النائب الخليل هو وجهة نظر شخصيّة فقط، خصوصاً وان النائب نفسه كان معنياً بالتسويات التي طرحت لحلّ العقدة الدرزية، عبر ما تسرب من طروحات تتعلق بتوزير نجله زياد بعد تعذر طرح اسمه شخصياً لاسباب قيل انها بسبب "عامل السن".

ازاء هذا الواقع، كان لا بد من صدور نفي من قبل النائب الخليل لاي ارتباط بين موقفه وبري، لان عكس ذلك كان سيؤدي الى الايحاء بقيام جبهة سياسية قوامها: بري، رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، في وجه الرئيس عون و"التيار الوطني الحر"، في وقت سيفقد فيه بري اي دور وسطي يقوم به لحل العقدة الدرزية، لانه في هذه الحالة سيظهر كطرف في الموضوع ولن تُقبل مواقفه في هذا المجال، وقد اتت بوادر هذا الامر بالدعوة التي وجهها النائب طلال ارسلان الى كل من بري والحريري وجعجع بالاهتمام بما يتعلق بطوائفهم وترك الطائفة الدرزية وشأنها.

الموقف "الخليلي" حرّك الكثير من الامور الراكدة، وصعّد الموقف من اتهام لرئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بالعرقلة، الى رئيس الجمهورية الذي كان البعض يتجنب وضعه في قفص الاتهام ومنهم بشكل رئيسي الحريري، ولو انه تم سابقاً الاشارة بصورة غير مباشرة الى دوره لعون في العرقلة تولى ترويجه منتمون الى التيار الازرق وحركة "امل" والقوات اللبنانية، دون ذكر رئيس الجمهورية بالاسم.

موقف النائب الخليل احرج بري قبل غيره، واعاد الى الاذهان المواجهة السياسية التي حصلت بين بري وعون حول العديد من الامور والتي كانت تنتهي بتدخلات من الحريري وبعض سعاة الخير، الى ان تم ارساء جو من "التفاهم" بحده الادنى بين بعبدا وعين التنية كان يسير بشكل جيد. وليس من مصلحة بري افتعال مثل هذه المواجهة مجدداً، لانه غير معني بالاشكال الناشىء عن الوضع الحكومي، وانه يروّج لكونه الوسيط الصالح للتدخل مع الاطراف كافة لانهاء الازمة الحكومية، فإذا به بعد هذا الموقف، يظهر وكأنه فقد هذه الوسطيّة، وبات طرفاً بكلّ ما للكلمة من معنى.

من البديهي ان النفي الصادر عن النائب الخليل سيساهم في ترطيب الاجواء، ولكن هذا لا يمنع انه يمثّل قنبلة موقوتة بدأ العمل على عدم انفجارها وتفكيكها، وهو ما سيتطلب دخول كل الاطراف الاخرى على الخط وفي مقدمهم حزب الله، الذي يحرص على البقاء خارج السجالات والتأكيد على ان الازمة غير مرتبطة به، ولو انه معنيّ جداً بسرعة تشكيل الحكومة التي من شأنها إضافة مظلة سياسية جامعة له للحد من الهجمة الاميركية التي تستهدفه منذ فترة ولو بشكل خجول.