تسعة أيّام تفصل الدولة ال​لبنان​ية عن الامتحان الكهربائي الصعب. في 1 تشرين الاول تنتهي المهلة المعطاة من قبل ​وزارة الاقتصاد​ ل​أصحاب المولدات​ لتركيب عدادات الكتروميكانيكية مطابقة للمواصفات المعتمدة من قبل شركة ​كهرباء لبنان​، عملا بالتعديل الأخير للقرار 1/135/أ.ت. الصادر بتاريخ 28/7/2017، مع العلم أن الدولة التي تلزم اصحاب المولدات بتركيب العدادات هي نفسها التي لم تركّب عدادات او ما يعرف بـ"الساعات" في كثير من المناطق والاحياء.

لم يركّب أصحاب المولدات أي عدّاد جديد، ومن كان قد ركّب سابقا لم يغيّر عدّاداته، لان قرار "الدولة" غير قابل للتنفيذ، بحسب أحد اصحاب المولدات في بيروت. يقول الرجل أن موانع تركيب العدّادات التي تطلبها الدولة كثيرة، وأهمها على الإطلاق هو أن التسعيرة المطلوب التقيّد بها تسبب الخسائر لأصحاب المولدات.

تتجّه الأمور الى مشكلة كبيرة ستقع على رؤوس صغار أصحاب المولّدات الذين لا يملكون ظهرا يستندون اليه، يقول صاحب المولد، مشيرا الى أنهم أكدوا عدم السير بالمشروع الا بشروطهم، وهذا ما لم يتحقق بعد.

في الشياح في بيروت ركّب عامر دمشق، صاحب اشتراك النور، عدّادات للمشتركين منذ 3 سنوات، والعداد المعتمد من قبل دمشق من ماركة "orbis" الاسبانية وهو صغير الحجم ويختلف عن ذلك العدّاد الذي تريد الدولة من أصحاب المولّدات الالتزام به وهو كبير الحجم وبحاجة الى خزائن كبيرة لاحتواء 15 عدادا مثلا. يؤكد دمشق أن الالتزام بتسعيرة الدولة بحال رُكبّت العدادات سيعني خسارة الكثير من أصحاب المولدات رزقهم.

"ربما تريد "الدولة" أن يُفلس أصحاب المولّدات لتحلّ مكانهم"، وهذه النظرية التي يتحدث عنها رِفْعت حمزة صاحب اشتراك الهادي في الضاحية الجنوبية لم تأتِ من فراغ ولها أدلة تدعمها. يقول حمزة، الذي اعتمد على العدادات منذ أيلول عام 2015، ولا يشارك بتجمع أصحاب المولدات، في حديث لـ"النشرة": "مشكلة التسعيرة يجب أن تكون آخر ما يفكر به أصحاب المولدات، فقبلها العديد من الإشكاليات التي يجب أن تجد حلا كتداخل الاشتراكات في الأحياء والمباني وحقوق صاحب المولد، الذي يلتزم بشروط الدولة ولا تؤمن له الدولة الحماية بالمقابل".

ويضيف حمزة: "يجب ان يعلم اصحاب المولدات أنهم متّجهون نحو معارك عنيفة بين بعضهم البعض وبين السكان حتى ولو أعطتهم الدولة التسعيرة التي يريدونها، ومثال على ذلك نسأل عن البناية التي تضم 10 شقق وفيها اشتراكات من صاحبي مولدات أو ثلاثة، فمن سيحق له تركيب خزانة العدّادات؟ ومن يضمن له ألاّ يدخل عليه منافس بالمستقبل يبيع بأقل من تسعيرة الدولة؟ ومن يتحمل مسؤولية ما دفعه ثمنا للعدّادات بحال أراد السكان نقل اشتراكهم لصحاب عمل أرخص"؟.

انتشرت في لبنان منذ زمن عبارة "مافيا المولّدات"، فبات كل صاحب مولّد سارقا، وبالتالي لم تعتد الناس على الكتابة التي تُنصف الحقيقة في هذا الملف. أقنعت الدولة المواطن بأن أصحاب المولّدات يريدون "تفقيره"، فابتكروا ملف العدّادات دون الاتفاق على رؤية كاملة شاملة، ما جعل الاقتراح غير قابل للتنفيذ، وهم يعلمون ذلك، بحسب حمزة، الذي يشير الى أن هدف المسؤولين من كل هذه القضية هو إقفال قطاع المولدات لوضع يدهم عليه، لا عبر تأمين ​الكهرباء​ من المعامل، بل عبر اشتراك خارجي اسمه البواخر.

يبلغ معدل ساعات القطع (قطع الكهرباء) السنوي 3600 ساعة، وهي عبارة عن قالب الحلوى. كان في السابق تعويض ساعات القطع يتم عبر أصحاب المولدات فقط. (والكلام دائما لحمزة) وجد المسؤولون أن الحلوى تضيع منهم، فاستأجروا البواخر التي هي المولّد الكبير الّذي يؤجر الطاقة، واقتطعوا تقريبا 1600 ساعة من القالب، فبقي 2000 ساعة يريدون استكمال وضع يدهم عليها عبر مزيد من البواخر. ما يعني أن المواطن سيستبدل المولّد في الحي بمولد كبير في البحر، وبدل أن تكون الاستفادة الماليّة لأصحاب المولدات ومن يعمل بهذا القطاع، ستذهب الى جيوب المسؤولين.

واذا سلمنا جدلا بأن المشكلة تكمن في سعر الكيلوواط، فلا يمكن لصاحب المولد أن يركّب العدادات ويلتزم بتسعيرة الدولة ويستمر بالعمل اذا لم يضاعف عدد مشتركيه ثلاثة أضعاف، اذ تبلغ أرباح "الديسجنكتور" ثلاثة مرات أرباح العداد. وهنا يكشف حمزة أنه عندما قرر تركيب العدادات عام 2015 أراد من جهة الحفاظ على ارباحه، ومن جهة إفادة الناس فكانت النتيجة أن سمح لأصحاب الدخل المحدود بتركيب الاشتراكات، وبالتالي بقيت أرباحه على حالها وازداد عدد المشتركين لديه ثلاث مرات، سائلا: "هل يستطيع أصحاب المولدات اليوم زيادة عدد المشتركين بهذا الحجم؟، معتبرا أن هذا الأمر سيكون بداية نهايتهم وبالطبع لن تبقى الناس بلا كهرباء لأن الدولة ستغطي الفارق عبر استئجار بواخر جديدة".

كثيرة هي التفاصيل الجديدة التي يتحدّث حمزة، ولكن البحث هنا لن يتسع لذكرها بأكملها، ولكن النتيجة هي أن أصحاب المولّدات لن تركب العدّادات، ووزارة الاقتصاد بحسب مصادر "النشرة" تريد من العدّاد أن يضمن حقوق الناس ويخفض فاتورة الاشتراك عليهم، ولكنها لا تملك سلطة تنفيذية تتيح لها تطبيق القرارات بالقوّة، بل يمكن لها ان تنتظر الشكاوى لتحيلها لقوى الامن الداخلي"، ولكن المشكلة ليست هنا، بل بأسئلة مشروعة يطرحها كل مواطن، اولّها متى ينتهي كابوس الكهرباء وفواتيره، وثانيها، هل الزام اصحاب المولدات بتركيب عدادات معيّنة هدفه صفقة عدّادات، أم تأكيد اضافي بأن الكهرباء لن تتأمن من الدولة في السنوات المقبلة؟ أم هي مقدّمة لإنهاء القطاع واستبداله بالبواخر؟.