"نحن نأمل ​تشكيل الحكومة​ بأسرع وقت ممكن، وننتظر"... قد يختصر هذا الجواب المقتضب لأحد الدبلوماسيين الأميركيين السياسة التي تتبعها واشنطن في ​لبنان​ منذ فترة، وهي سياسة بدأت بتطبيقها في سوريا بعدما تبلورت خطط وأولويات ادارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​. سياسة المتابعة من بعيد والتي قد يقرأ فيها البعض نوعا من النأي بالنفس الا عن كل ما من شأنه أن يمس المصالح الأميركية.

في عهد ادارة الرئيس الأميركي السابق ​باراك أوباما​، كانت نشاطات السفارة الأميركية في بيروت لا تهدأ، حتى أن السفراء الذين تعاقبوا لم يكونوا يبخلون أو يترددون بالتعبير عن مواقف الادارة الاميركية من شتّى الملفات، حتى التي قد يعتقد البعض أن لا دخل لهم اصلا بها ليعبروا عن آرائهم بخصوصها. اليوم الوضع مختلف تماما في مقر السفارة في عوكر، فالنشاطات باتت مختصرة الى حد كبير وبالتحديد تلك المرتبطة بحضور ومشاركة الاعلاميين، كما أن مقابلات السفيرة اليزابيت ريشارد شبه معدومة، وان كانت لا تتردد بزيارة المسؤولين اللبنانيين بين فترة وأخرى.

وكما بات واضحا، يقتصر الاهتمام الأميركي في لبنان بالملفين الأمني والمالي-الاقتصادي، وهو ما يظهر جليا بنوعية الزوار الأميركيين الى بيروت، وآخرهم رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي "FBI" السيد كريستوفر راي وقبله قائد الجيش الأميركي في القيادة الوسطى الجنرال مايكل غاريت. فلدى واشنطن بعض الخطوط الحمراء، لا تسمح بتجاوزها حتى وان كانت تنتهج سياسة أشبه بـ"النأي بالنفس". هذه الخطوط تمتد من سوريا الى لبنان. فكما أن هناك منطقة نفوذ أميركية شرق الفرات يسيطر عليها حلفاؤها الأكراد تمنع ايا كان من تجاوزها أو فرض أي أمر واقع فيها، فكذلك في بيروت الحرب المالية مستمرة على ​حزب الله​ باعتباره وفق القاموس الأميركي ذراعا ايرانيا يتوجب الحد من تمدّدها، سواء عبر التشدد بتطبيق العقوبات بالتنسيق والتعاون مع المصارف اللبنانيّة، أو من خلال مواصلة دعم ​الجيش اللبناني​ بالسلاح والعتاد برسالة واضحة باطار سعيها الى "دعم القوى الشرعية بوجه باقي القوى المسلحة".

ولا تعتبر واشنطن نفسها معنية بشكل مباشر بالقيام بأي دور لتسريع تشكيل الحكومة، ويتابع الدبلوماسيون الأميركيون في بيروت عبر الاعلام ما يُحكى عن حراك فرنسي في هذا المجال، وعن امكانية أن يبحث الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ الملف مع الرئيسين دونالد ترامب و​حسن روحاني​ خلال الجمعيّة العامة للأمم المتحدة والتي تنعقد الأسبوع المقبل في نيويورك.

من جهتها، تعتبر مصادر مقربة من "الثنائي الشيعي" أن "التعويل على حراك فرنسي في هذا الاتّجاه قد يكون مفيدا ويحقق الخرق المنتظر بالجدار الحكومي، باعتبار ان الدور الذي تلعبه واشنطن وحلفاء اقليميين لها، هو دور تعطيلي بامتياز من خلال السعي الى فرض شروط معيّنة لتسهيل عملية التشكيل، وبالتحديد من خلال تأمين مصالح حلفائها في بيروت". وتضيف المصادر: "في حال نجحت باريس بتقديم التطمينات اللازمة للأميركيين، فعندها تأتي التعليمات مباشرة الى الأطراف المعنيين في الداخل اللبناني وتشكل الحكومة في ظرف يومين".

وبانتظار المشاورات واللقاءات الجانبيّة التي ستعقد على هامش الجمعية العامة في نيويورك، يبقى "الأمل والانتظار" مسيطران على الأجواء سواء في عوكر او على الساحة اللبنانية ككل.