ترك الكلام الذي اطلقه الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​ في اطلالته الاخيرة، الكثير من الغموض والضبابية حول مواضيع عدة، علماً انه ليس من عادته ترك الامور ملتبسة، وقد اعتمد اكثر من مرة على الوضوح التام في المواقف من كل المواضيع. ومن بين الامور التي تركت تساؤلات حولها، مسألة ​تشكيل الحكومة​ وموضوع عودة عناصر الحزب من ​سوريا​ الى ​لبنان​.

وفيما يمكن القول ان قضية الحكومة غير محصورة بالحزب الذي يكتفي بعدم المشاركة بالسجالات والخلافات التي نشأت حول الموضوع، من المهم جداً التركيز على الجبهة الثانية التي تتعلق بالحزب بالدرجة الاولى، وبإيران وحلفائه بالدرجة الثانية. الغموض بدأ بكلام نصر الله عن ان الحزب باق في سوريا حتى بعد التفاهمات في ادلب، ما اوحى بأن ​ايران​ غير راضية عن هذه التفاهمات التي تنشأ بين ​روسيا​ و​تركيا​ بموافقة الولايات المتحدة الاميركية، وبأن الحزب غير معني بأي اتفاق سيصدر. ولكن، من غير المنطقي القول ان حزب الله او ايران، سيكونان حجر عثرة في وجه ما سيتبلور من تفاهمات واتفاقات وسيعملان على تقويض الوضع في ادلب، لان هذا الامر سيعني حكماً الوقوف في وجه ثلاث قوى كبيرة جداً بينها روسيا التي تعتمد عليها ايران مع ​الصين​ في الكثير من الاحداث.

وبالتالي، فإن بقاء الحزب في سوريا لا يعني انه سيكون معرقلاً للاتفاقات والتفاهمات التي ستحصل، بل سيكون عنصراً كغيره من العناصر المتواجدة على الارض. وهذا يعني ان للحزب حساباته السياسية ايضاً، فخروجه بشكل تام من سوريا بعد كل ما قدمه، ليس بالامر السهل ولا بالبديهي، فهو يطمح لدور ما في هذه الدولة. ثانياً، لا بد من اكمال الجملة التي قالها الامين العام للحزب حول هذا الموضوع، من ان وجود الحزب هناك "رهن بقرار سوريا"، وهي جملة اساسية جداً لانها اولاً تضفي شرعية على هذا الوجود، وثانياً قد تحدد اطار هذا الوجود وما اذا كان عسكرياً ام استشارياً ام استراتيجياً... وفي الوقت نفسه، يضع نصر الله وجود حزب الله في سوريا في يد التفاهمات، ف​الدولة السورية​ غير قادرة حاضراً ومستقبلاً، على رفض "التمنيات" الروسية عليها والتي تصل الى حد "الفرض" نظراً الى ما قامت به موسكو من اجل ابقاء الرئيس السوري ​بشار الاسد​ في منصبه من جهة، ولضمان كسب المعركة ضد اعداء النظام والارهابيين من جهة ثانية. وهل من احد يتصور انه اذا طلب الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ من الاسد اصدار موقف ما يتعلق بأي موضوع، سيرفض الاخير الطلب؟ من هنا، يمكن مقاربة الوجود الذي تحدث عنه نصر الله لعناصر الحزب في سوريا، من منظار غير عسكري ايضاً، خصوصاً وان المواجهات القتالية ستكون قد وصلت الى نهايتها ولن يكون هناك من سيقاتل الاتفاقات التي ستبرم والتي من شأنها تكريس الوضع النهائي لسوريا والمنطقة بشكل عام.

وعليه، من المؤكد ان الغموض الذي تركه نصر الله في كلمته حول هذا الموضوع مقصوداً ولو انه غير اعتيادي، فلا يمكن الجزم ببقاء الحزب عسكرياً في سوريا، ولا يمكن البت بأنه سيعود بشكل تام الى لبنان وينهي اي وجود له في البلد الذي دفع فيه دماء مقاتليه وساهم بشكل مباشر في الابقاء على النظام قائماً وصامداً، وغيّر مسار بعض المعارك في المواجهات الدائرة مستفيداً بالطبع من دعم ايراني وروسي مطلقين، وهو ما سيؤمّن له بالتالي دوراً في المعادلات الجديدة التي ستفرض على الشرق الاوسط بالاجمال.