في 24 أيّار، ومع إنتهاء الإستشارات النيابيّة المُلزمة، كلّف رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ رئيس حُكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ تشكيل الحُكومة الجديدة. واليوم، ومع مُرور 4 أشهر كاملة على هذا التكليف الذي جاء بإجماع نيابي واسع، وفي ظلّ إستمرار التعثّر على خط التأليف، يفتح إنعقاد الجلسة التشريعيّة الأولى للمجلس النيابي المُنتخب حديثًا صفحة جديدة على مُستوى الوضع القائم. فماذا يعني "​تشريع الضرورة​"، وما هي الخُطوات التالية المُرجّحة؟.

لا شكّ أنّ الخطوة المُتمثّلة بقيام مجلس النوّاب بالتشريع في ظلّ حُكومة تصريف أعمال ليست الأولى من نوعها في التاريخ اللبناني الحديث، حيث شهد لبنان سوابق في هذا السياق. كما أنّ مؤيّدي عقد جلسة تشريعيّة في ظلّ حُكومة تصريف أعمال، يعتبرون أنّ المادة 69 من الدُستور(1) تُعطي ​المجلس النيابي​ هذا الحقّ بغضّ النظر عن وضع الحُكومة، وهم عزّزوا موقفهم أخيرًا بالحديث عَمّا اصطلح على تسميته "تشريع الضرورة" بحجّة أنّه تُوجد بُنود ملحّة، منها ما هو مُرتبط بشكل خاص بالإصلاحات التي طُلِب من الدولة اللبنانيّة تنفيذها من قبل المُجتمعين في مؤتمر "سيدر" والمسؤولين في "البنك الدَولي". لكنّ أهميّة الدورة التشريعيّة هذه المرّة، أنّ "تيّار المُستقبل" الذي كان يُعارض إنعقاد مجلس النواب في دورات تشريعيّة بغياب حُكومة حائزة على الثقة، بحجّة أنّه يُشكّل تجاوزًا لصلاحيّات الحُكومة ورئيسها، وحتى "بداية إنقلاب على ​الطائف​"، عاد وتراجع عن مُعارضته، على الرغم من وُجود العديد من مشاريع القوانين العادية جدًا من ضُمن 29 بندًا مُدرجين في جدول الأعمال، وعلى الرغم من أن لا إجابة حتى الساعة عن كيفيّة تنفيذ القوانين التي تحتاج إلى توقيع كل من رئيس الحُكومة والوزير المُختصّ، ومن أنّ لا سُلطة لوزراء تصريف أعمال لمُناقشة القوانين.

والسبب أنّ مُختلف القوى السياسيّة باتت مُعترفة ضُمنًا أنّ مسألة تشكيل حُكومة جديدة قد تطول لأشهر إضافيّة، ولتاريخ لا يُمكن تقدير زمنه بدقّة، في ما يُمكن وصفه بالإشارة السلبيّة. وكان من الضروري بالتالي عدم الإستمرار في سياسة تجميد مؤسّسات الدولة، والتأقلم مع الأمر الواقع القائم. وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة فإنّ رفع الإعتراضات السابقة عن تشريع مجلس النوّاب في ظلّ حُكومة تصريف أعمال، قد يُمهّد الطريق لتوسيع هامش صلاحيّات الحُكومة الحالية المُعتبرة مُستقيلة بحسب الدُستور اللبناني بسبب بدء ولاية مجلس نيابي جديد، بحيث تتوسّع صلاحيّات "تصريف الأعمال" بالنسبة إلى الوزراء أو بالنسبة إلى رئيس الحكومة المُكلّف. والمُفارقة أنّه بإمكان رئيس حُكومة تصريف الأعمال والوزراء، تجاوز الحق المُعطى لهم في الدُستور بسُهولة، لأنّه لا هامش مُحدّد لمسألة مُمارسة الصلاحيّات "بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال". وفي حال حُصول هذا الأمر، خاصة من جانب رئيس الحُكومة المُكلّف، فإنّ ذلك سيُعطي إشارة سلبيّة أخرى إلى إستمرار التعثّر على خط تشكيل الحُكومة، بحيث سينتقل التركيز عندها من العمل على حلّ العُقد القائمة، إلى العمل على تسيير شؤون الدولة بما تيسّر.

لكنّ اللافت أنّه في مُقابل هذه المُعطيات السلبيّة عن عدم إقتراب موعد ولادة الحُكومة الجديدة، بدأت الأجواء السياسيّة-الإعلاميّة بالتسويق لموعد جديد لتشكيل الحُكومة، وتحديدًا قبل الثاني والعشرين من تشرين الثاني، أي أنّ المَعنيّين بالتشكيل أعطوا أنفسهم نحو شهرين كاملين لتذليل العقبات–في حال صحّت هذه التكهّنات، بحيث يتمّ الإحتفال بذكرى الإستقلال في 22 تشرين الثاني في ظلّ حُكومة جديدة حائزة على الثقة. وليس بسرّ أنّ رئيس الجُمهورية موجود حاليًا في نيويورك على رأس وفد رسمي، حيث يُشارك في أعمال الجمعيّة العُموميّة للأمم المتحدة، ما يعني أنّ شهر أيلول سينقضي من دون أي إتصالات إضافيّة على خط التشكيل، علمًا أنّ الجزء الأوّل من الشهر المُقبل سيشهد بدوره زيارة خارجيّة للرئيس إلى أرمينيا، في ظلّ حركة ناشطة أيضًا لرئيس الحُكومة المُكلف بين لبنان والخارج.

وفي كل الأحوال، ما لم تحصل مُقاربات جديدة على خط أسلوب تشكيل الحُكومة، فإنّ الدوران في الحلقة المُفرغة سيبقى مُستمرًّا لأجل غير مُحدّد، خاصة بعد أن تبيّن أنّ ما حُكي عن مُهل حاسمة للتشكيل لا يتجاوز الضغط المعنوي والسياسي، وأنّ لا مفاعيل ميدانية له، بسبب الخشية من تحوّل أي ضغط مادي في هذا الإتجاه، من مُشكلة مُرتبطة بالخلاف على الأحجام والحصص الوزاريّة بأبعاد سياسيّة محلّية وإقليميّة، إلى مُشكلة على الصلاحيّات وعلى دُستور الطائف، بأبعاد طائفيّة ومذهبيّة تتجاوز الإنقسامات السياسيّة.

وبالتالي، قد يكون من المُفيد التسويق لمهلة جديدة لتشكيل الحُكومة، حتى لو كان الأمر مُجرّد إجتهادات إعلاميّة، لما لهذا الأمر من وقع مَعنوي إيجابي، في ظلّ الأجواء السياسيّة والإقتصاديّة المُلبّدة، على أمل حُصول التنازلات المُتبادلة من القُوى السياسيّة المعنيّة، تمهيدًا لانتظام عمل السُلطة السياسيّة الحاكمة من جديد.

(1) جاء في البند الأوّل من المادة 69: "عند إستقالة الحُكومة، أو إعتبارها مُستقيلة، يُصبح مجلس النوّاب حُكمًا في دورة إنعقاد إستثنائيّة حتى تأليف حُكومة جديدة ونيلها الثقة".