العلاقة الثُنائية بين حزب "​القوات​ ال​لبنان​يّة" و"تيّار ​المردة​" تدرّجت صُعودًا خلال العقد الأخير، حيث جرى أوّلاً تنظيم الخلاف بين الطرفين، ثم تمّ تشكيل لجنة إرتباط لحلّ أي إشكال مُحتمل بين أنصار الفريقين في الشمال. وكادت جُهود كلّ من الوزير السابق يوسف سعادة عن "المردة" والمسؤول "القوّاتي" أنطوان الشدياق تُثمر لقاء بين رئيس "المردة" الوزير السابق ​سليمان فرنجية​ ورئيس "القوات" ​سمير جعجع​ قبل نحو سنتين، إلى أنّ جاء تبنّي "الحكيم" لخيار العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهوريّة على حساب فرص وُصول فرنجية إلى قصر بعبدا، ليُجمّد كل اللقاءات الثنائيّة، وليُعيد الأمور إلى الوراء. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، وفي الوقت الذي تدهورت فيه علاقة "التيّار الوطني الحُرّ" مع "القوات" و"المردة" بشكل دراماتيكي، عادت حركة الإتصالات بين "القوات" و"المردة" لتنشط من جديد، علمًا أنّ العلاقة بين وزير "المردة" يوسف فنيانوس ووزراء "القوات" جيّدة على الدوام. وجرى في الأيّام القليلة الماضية الحديث عن لقاء مُرتقب بين جعجع وفرنجية، وبُني أكثر من "سيناريو" بشأن هذا الأمر. فهل هذا اللقاء سيتمّ في المُستقبل القريب، وما علاقة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ بالموضوع؟.

بالنسبة إلى "تيّار المردة" فهو يعلم أنّ وُصول الوزير السابق سليمان فرنجيّة إلى سُدّة الرئاسة يستوجب مجموعة من الظروف المُؤاتيّة محليًا وإقليميًا، وهو يُراهن على أنّ الكلمة الفصل داخليًا ستكون من قبل "​حزب الله​". وعلى الرغم من أنّ لا الحصّة الوزاريّة ولا الحصّة النيابيّة لتيّار المردة تُشكّل أيّ تنافس جدّي للتيّار الوطني الحُرّ، فإنّ العلاقة بين كل من باسيل وفرنجية لا تزال مقطوعة منذ ما قبل الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة. والسبب هو الطُموح الشخصي بينهما للوُصول إلى موقع الرئاسة في الإنتخابات المُقبلة، حيث يعمل كلّ منهما على تحسين فرصه من اليوم، ولوّ من خلال إعتماد أساليب مُختلفة. وبالنسبة إلى "المردة" إنّ تحسين العلاقة مع "القوّات" يخدم معركة فرنجيّة الرئاسيّة، لأنّ الظروف والتوازنات الإقليميّة تحصر-برأيه، المنافسة على موقع الرئاسة خلال الدورة المقبلة بين الوزير السابق فرنجية والوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال باسيل دون سواهما، وبالتالي إنّ فرص جعجع الرئاسية غير متوفّرة، ما يستوجب إستمالة "القوّات" وعدم مُعاداتها، واللعب على وتر خلافاتها مع "التيّار"، لتجنّب قيامها بتكرار تجربة قطع الطريق على فرنجيّة لصالح العماد عون مع الوزير باسيل عندما يحين موعد الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة. وطالما أنّ علاقة "المردة" مع "التيّار" مقطوعة، فإنّ لا مجال لخروج "المردة" من عزلتها المسيحيّة سوى بالإنفتاح على كل من حزبيّ "القوات" و"الكتائب" لتعويض النقص الكبير في الغطاء المسيحي لمرشّحها من جانب القوى المسيحيّة الحزبيّة الفاعلة.

بالنسبة إلى حزب "القوّات"فهو يعتبر أنّ معركة رئاسة الجمهوريّة ستحصل وفق المعطيات التي ستكون قائمة بحلول موعد الإنتخابات، ما يفتح الباب على تغييرات كبرى يُمكن أن تحصل في أي وقت، وهي قد تكون مفاجأة لأكثر من طرف. وفي المرحلة الحالية، يستخدم حزب "القوّات" كلاً من نُفوذه السياسي وشعبيّته مسيحيًا وحجمه النيابي العام، ليبقى في قلب المُعادلة السياسيّة. وهو يعتبر أنّ تحسين علاقاته مع "تيّار المردة" يصبّ في هذه الخانة، الأمر الذي يستوجب مُواصلة تطوير هذه العلاقة، بمعزل عن الخلافات المُستجدّة مع الوزير باسيل، وإن كان حزب "القوات" يستخدم مسألة العلاقة مع "المردة" لزكزكة "التيّار"، حيث أنّ أي موقف مؤيّد من جانب "القوّات" لترشيح فرنجيّة إلى الرئاسة في المُستقبل، لا يُمكن إلا أن يؤثّر سلبًا على فرص باسيل الرئاسيّة، لأنّ هذا الموقف سيؤمّن الغطاء المسيحي الداعم للوزير السابق فرنجيّة، وسيُلاقي مجموعة من القوى اللبنانيّة التي تؤيّده، وفي طليعتها "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" في ظلّ فرصة كبيرة أن يكون فرنجيّة محطّ تبنّ أيضًا من جانب "تيّار المُستقبل". وفي هذه الحال، لن تعود مسألة "الفريق المسيحي الأقوى" مُفيدة، حتى لو قام "حزب الله" بدعمها، وأصلاً تجربة الفراغ الرئاسيّ على مدى سنتين ونصف هي أكبر دليل على ذلك، حيث أنّ العماد عون لم يُنتخب رئيسًا إلا بعد تحوّل جذري في موقف "القوات" ثم في موقف "تيّار المُستقبل"، من دون أن ننسى الفارق بين الثقل السياسي الشخصي لكل من العماد ميشال عون ورئيس "التيّار الوطني الحُرّ" الحالي جبران باسيل، والذي يصبّ لصالح الأوّل.

وبالتالي، على الرغم من نفي مصادر كل من "القوات" و"المردة" أي علاقة للوزير باسيل في التقارب المُتصاعد بينهما، فإنّه لا يُمكن فصل تأثير تدهور علاقة "التيّار" مع كل من "القوات" و"المردة" على تحسّن العلاقات بين هذين الأخيرين. وعلى الرغم من أنّه لا تاريخ مُحدّد-أقلّه حتى الساعة، لأي لقاء ثنائي بين جعجع وفرنجيّة، فإنّ الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات في المُستقبل، خاصة بعد أنّ تمّت إزالة كل الشوائب التي كانت تحول دون عقد مثل هكذا لقاء، مع إستمرار كل من الطرفين في موقعه السياسي الثابت وفي تموضعه المتناقض مع الآخر أيضًا. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ كلاً من جعجع وفرنجية لا يرغبان بعقد لقاء لمجرّد إلتقاط الصُور، ولا يريدان أيضًا أن يتمّ إستغلال هذا اللقاء من قبل باسيل من جهة، ومن قبل جهات سياسيّة أخرى قد لا يروق لها هكذا نوع من التقارب، بحيث يبقى موعده مُعلّقًا إلى حين أن تفرضه تطوّرات معيّنة مُوجبة.

وفي الخلاصة، يُمكن القول إنّ معركة رئاسة الجُمهوريّة فُتحت بشكل مُستغرب قبل أوانها بوقت طويل، وإنّ هذا المنصب الأعلى الوحيد من نوعه للمسيحيّين في منطقة الشرق الأوسط، تحوّل من ورقة لصالح مسيحيّي لبنان إلى موضوع صراع لا ينتهي بين قياداتهم منذ عُقود حتى اليوم، يستغلّه خُصومهم في كثير من الأحيان، ويتقاتل عليه المسيحيّون أنفسهم ما أن يُعطى لهم هامش صغير وشكلي من حريّة القرار!.