في الأيام الماضية، طُرحت الكثير من الأسئلة حول إحتمال نشوب حرب في المنطقة، لا سيّما مع تصاعد التهديدات على أكثر من جبهة، سواء بالنسبة إلى مواقف الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ أو مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​، من دون تجاهل ما حصل بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في سماء اللاذقية، التي ترافقت مع إعلان موسكو تسليمها دمشق منظومة صواريخ "S 300" الدفاعية.

تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، يعود بالدرجة الأولى إلى الإستراتيجية المعتمدة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، خصوصاً بعد أن قرر الإنسحاب من الإتفاق النووي الموقّع معها، لكن هل المنطقة فعلاً على أبواب حرب مفتوحة؟.

من حيث المبدأ، ليس هناك من حرب تلوح في الأفق، بغض النظر عن التهديدات الكثيرة على هذا الصعيد، فعلى الجبهة الأميركية الإيرانية يجد ترامب في طهران "الفرصة" لحصد المزيد من الأرباح الماليّة، من خلال الإعتماد على "ترهيب" الدول الخليجيّة، التي يدعوها إلى دفع ثمن حمايتها، سواء عبر إجبارها على خفض أسعار النفط العالميّة، أو عبر دفعها إلى إبرام صفقات شراء الأسلحة الباهظة الثمن، وبالتالي ليس له من مصلحة في الدخول في حرب مفتوحة للتخلص من هذا "الخطر"، في حال كانت لديه القدرة على ذلك في الأصل، باستثناء سياسة العقوبات الإقتصادية المدفوعة الثمن، خصوصاً أنّ بعض البلدان الخليجية عمدت إلى إرسال التطمينات، بأنها على إستعداد لتعويض النقص بالأسواق العالميّة، عبر زيادة إنتاجها عند بدء تطبيق العقوبات على طهران التي تحول دون تصديرها لنفطها.

بناء على ذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي هو المستفيد الأول من هذا الواقع، الأمر الذي يدفعه للسعي إلى الحفاظ عليه لا العمل على إنهائه، عبر الدفع نحو التسويات السياسية أو الحرب التي تقود إلى تعديل ميزان القوى على الساحة الإقليمية، وهو يعمل إنطلاقاً من عقليّة رجل الأعمال الذي يسعى دائماً إلى حصد المزيد من الأرباح.

في السياق نفسه تأتي التهديدات الإسرائيلية نحو ​لبنان​ و​سوريا​، فتل أبيب تدرك جيداً أن المعادلة على الساحة السوريّة تبدلت بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، التي حمّلت موسكو الجانب الإسرائيلي كامل المسؤولية عنها، في حين أن الأخير كان في موقع "المُحرج" غير الراغب في توتير الأجواء من جهة، والسعي إلى القول أنه لا يزال يملك التفوق في معادلة المنطقة من جهة ثانية، فكان "المخرج" عبر رفع سقف التهديدات على مستوى الساحة اللبنانية، من خلال خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​، لكن هل تملك تل أبيب القدرة على تعويض خسارتها السورية في لبنان؟.

تستطيع إسرائيل أن تبدأ الحرب مع لبنان، لكنها لم تعد تملك القدرة على حسم نتيجتها مسبقاً، هذه هي المعادلة التي حسمتها حرب تموز من العام 2006، الأمر الذي يدفعها إلى التفكير أكثر من مرة قبل أخذ مثل هذا القرار، الأمر الذي ترجم بالهدوء الذي تشهده هذه الجبهة منذ نهاية تلك الحرب، مع العلم أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة كانت قد بدأت بعد خطاب أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله، الذي كشف فيه عن إمتلاك الحزب صواريخ دقيقة وغير دقيقة، حيث رد نتانياهو بأن على السيد نصرالله أن ينتظر رداً غير متوقع في حال "الإعتداء"، ما يعني، بشكل مباشر أو غير مباشر، أن تل أبيب لن تكون الجانب المبادر في أي خطوة.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يمكن قراءة التهديدات الإسرائيلية حول الصواريخ الدقيقة، التي رفعها نتانياهو في الأمم المتحدة، والتي تأتي في إطار الإستهداف الإعلامي لا العسكري، نظراً إلى أن تل أبيب، ولو كانت تملك القدرة على خوض الحرب، ما كانت لتعمد إلى تسريب معلومات غير دقيقة عن مواقع صواريخ، بل كانت سارعت إلى قصفها، كما كانت تفعل عبر الضربات الجويّة التي تقوم بها على الساحة السورية بحسب ما تعلن، في حين أن الهدف هو وضع الحزب في مواجهة مزدوجة، مع الداخل اللبناني عبر الزعم بأنه يهدد أمن ​مطار بيروت الدولي​ والإستقرار الداخلي، ومع المجتمع الدولي الذي سيسعى إلى حفظ أمن الرحلات الجوية.

الردّ اللبناني على التهديدات الإسرائيلية كان حاسماً، من خلال الجولة الدبلوماسية التي نظمها وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، لكن السؤال يبقى عما إذا كان نتانياهو يريد الحرب فعلاً؟.

يبحث نتانياهو عن أي وسيلة لإثبات التفوق الإسرائيلي أو القول أن تل أبيب غير مكبّلة، لكن بالتأكيد هذا الأمر لن يكون سهلاً عبر البوابة اللبنانية، فهو يتذكر جيداً ما حصل مع سلفه إيهود أولمرت، الذي دفع حياته السياسية ثمناً لحرب تموز 2006.