بالرغم من أن رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ لا يشعر بعد بتهديد جدي لعهده نتيجة التأخير ب​تشكيل الحكومة​ وتراكم الأزمات على الأصعدة كافة، وبالرغم من أن الحملات المتعددة والمدروسة التي يتعرض لها لا تصل الى مستوى لاحباطه، الا أنه وفريق عمله بدأوا منذ فترة اعداد أكثر من سيناريو للتعاطي مع المرحلة الراهنة وتلك المقبلة، وها هم اليوم يواصلون البحث بالخيارات المحدودة التي يتيحها ​اتفاق الطائف​، وان كانت الامكانيات المتاحة تبقى هي الأخرى أكثر محدودية.

بالأمس سقط طرح حكومة الأكثريّة بعدما تبين أن معظم الفرقاء لا يسيرون به وحتى أقرب المقرّبين من عون. وحده ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ خرج ليؤيد طرحا مماثلا، فهو اصلا يؤيد أيّ مخرج من شأنه أن يضع حدا للفراغ الحكومي المتمادي على أن ينسجم مع أحكام الدستور. بالمقابل، يجد ​حزب الله​ نفسه أقرب الى الانتظار 4 أو 5 اشهر أخرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية مستنسخة عن الحكومة الحالية، على أن يسير في نوع جديد من الحكومات يهدّد الاستقرار الذي يقول انه يحفظه برموش العين. فحماسة واندفاعة الرئيس عون التي قد لا تمنعه في مرحلة من المراحل بقلب الطاولة على الجميع للانطلاق من جديد، تجد بالمرصاد الكثير من التروي لدى باقي القوى السياسيّة، سواء الحليفة أو المعارضة لرئيس الجمهورية. فالخوف من تحوّل العهد الى عهد تصريف أعمال، لا يقلق أحدا الا رئيس العهد. كل الفرقاء الآخرين، وان كان بعضهم لا ينفك يؤكد حرصه على انجاح تجربة عون تمهيدا لانجاح تجربته الخاصة بعد سنوات، لا يعتقدون أن الأزمة متمكّنة وجديّة الا اذا كسرت الرقم القياسي الذي سجله رئيس الحكومة السابق تمام سلام أي 11 شهرا، وطالما نحن لا نزال في الشهر الرابع للتكليف، فبرأيهم الأمور ممسوكة.

حتى الفرنسيين أُحبطوا مؤخرا حين دخلوا على خطّ حلحلة الأزمة بعدما لمسوا عدم استعجال لبناني. فما كانوا يسمعونه ليل نهار عبر وسائل الاعلام، عن حرص كبير لدى الفرقاء دون استثناء لتقديم التنازلات لتسهيل عملية التشكيل، لم يجدوا منه أيّ شيئ حين قرعوا ابوابهم، ما دفعهم لانسحاب تكتيكي بانتظار توصّل القوى السياسية لقناعة بوجوب تفادي الاستمرار بالرقص على حافة الهاوية.

وبحسب المعلومات، لا يزال الرئيس عون يتمسك بمضمون الدراسة التي أعدّها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال ​سليم جريصاتي​ قبل فترة، والتي تلحظ توجيه رسالة للنواب، ترجّح المصادر أن موعدها بات قريبا. كما تتطرق الدراسة لضغوط شتى يُمكن ممارستها من دون أن تخرج بأي قرار حاسم يضع حدا نهائيا للمراوحة، وهو ما ترده المصادر الى الخيارات والامكانيات الدستورية المحدودة جدا.

وفي ظل هذا الواقع المأزوم، يحرص الرئيس عون للحفاظ على علاقته برئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ رغم قناعته بأنه يتحمّل أوّلاً وأخيرا مسؤولية استمرار الوضع على ما هو عليه. فقرار فتح النار من بعبدا على بيت الوسط سيعني السقوط المدوّي للتسوية السياسية ودخول العهد حقيقة في دوامة تصريف الأعمال، وهو قرار لن يتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صاحب النفس الطويل... والطويل جدا.