الحملة الإعلاميّة التي شنّها رئيس وزراء ​إسرائيل​ ​بنيامين نتانياهو​ من على منبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بشأن مواقع صواريخ مزعومة، منها قرب ​مطار بيروت​، لها أهداف مُحدّدة، إلى درجة يُمكن معها القول إنّ نتانياهو نصب فخًا للدولة ال​لبنان​يّة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: إختار نتانياهو أعلى المنابر الدولية للترويج لهذه الإشاعات في إطار المُحاولات الإسرائيليّة المُستمرّة لتشويه سمعة "​حزب الله​" على أوسع نطاق مُمكن، وللإدعاء أنّ "الحزب" يستخدم أماكن مدنيّة مأهولة في صراعه مع إسرائيل خارقًا كل القواعد العسكريّة المعروفة، وللتأثير سلبًا على القطاع السياحي في لبنان وبالتالي ضرب الدورة الإقتصاديّة من خلال تخويف السوّاح وإشاعة أجواء ضربة عسكرية مُحتملة وحتى أجواء حرب لا تريدها إسرائيل على الإطلاق، من دون أن ننسى مُحاولته تقليب الرأي العام اللبناني ضُدّ "الحزب" أيضًا.

ثانيًا: أراد نتانياهو من حملته الإعلاميّة إستدراج الردود الرسميّة اللبنانيّة، لتظهر الدولة ومؤسّساتها وكأنّها في تماهٍ مع "حزب الله"، وكأنّها أيضًا في دفاع مُطلق عن تصرّفاته وفي موقع المُغطّي لكل أفعال "الحزب"، في مُحاولة إسرائيليّة مُتعدّدة الأهداف، ترمي إلى التأثير سلبًا على المُساعدات العسكريّة التي يتلقّاها الجيش اللبناني خاصة من ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وترمي أيضًا إلى تبرير قصف أي مُنشآت أو بنى تحتيّة تابعة للدولة اللبنانيّة في المُستقبل بحجة التكامل بين الطرفين، وترمي كذلك الأمر إلى قصف أماكن مأهولة في أي حرب مُقبلة بحجة إتخاذ "الحزب" الأماكن السكنيّة دروعًا له.

ثالثًا: إنّ إسرائيل لا تريد الدُخول في أي حرب مع لبنان حاليًا، ولا تريد أيضًا القيام بأي عملية عسكريّة مُحدّدة في المكان والزمان. ففي العلم العسكري من يكتشف أي مواقع عسكريّة سرّية كتلك التي إدعى نتانياهو وجودها في ضواحي بيروت، يقوم بخيار من إثنين: إمّا قصفها وتدميرها فورًا ومن دون تأخير طالما جرى رصدها إستخباريًا، أو على الأقلّ، التكتّم التام والإحتفاظ بخرائط دقيقة بشأنها إلى حين نُشوب حرب بين الطرفين، وذلك لتضليل الخصم والإيحاء بأنّ مواقعه لا تزال سرّية. لكنّ الجانب الإسرائيلي لم يقم بأي من هذين الخيارين، ما يؤكّد إفتقاره للقُدرة وللرغبة على إفتعال خرق أمني خطير مع لبنان، ويؤكّد عدم وُجود هذه الصواريخ أساسًا، وإلا لكانت إسرائيل إحتفظت بالإحداثيات الخاصة بمواقعها إلى مرحلة لاحقة، بدلاً من كشفها والسماح للحزب بنقلها. وبالتالي، من الواضح أنّ الحملة الإسرائيليّة هي سياسيّة–إعلاميّة مُفبركة، ولا علاقة لها بالواقع العسكري والميداني الحقيقي.

رابعًا: من بين الرسائل التي وجّهها نتانياهو بخطابه التضليلي من على منبر الأمم المتحدة بحق لبنان، رسالة ضمنيّة إلى السُلطات الرسميّة في لبنان، مفادها أنّه سيقصف العديد من المواقع الحيويّة حتى لو كانت في العاصمة أو في ضواحيها، في أي مواجهة عسكريّة مُقبلة، من دون الأخذ في الإعتبار أي موانع. وهذه الرسالة تدخل في سياق الضغط المعنوي بهدف التخويف، ومُحاولة التأثير سلبًا على العلاقة بين الدولة اللبنانيّة و"حزب الله".

إشارة إلى أنّه ليس بسرّ أنّ "حزب الله" يملك عشرات آلاف الصواريخ، والبعض يقول مئات آلاف الصواريخ، من مُختلف الأحجام والأنواع، وأي منها ليس معروضًا أمام أعين الناس، ما يعني أنّ الجولات الإعلاميّة المُناهضة لإدعاءات إسرائيل هي سياسية–إعلاميّة أيضًا ولا تهدف إلى التحقّق جديًّا من أي مزاعم، وهي تدخل في سياق الحرب الدبلوماسية المفتوحة مع إسرائيل. وأصلاً حرب العام 2006 أثبتت أنّ طائرات إسرائيل وأقمارها الصناعيّة واجهزة إستخباراتها عاجزة عن تحديد مواقع الصواريخ، إلا في ما قلّ وندر، حيث أنّ ​الطيران الإسرائيلي​ لم يتمكّن في حينه سوى من تدمير قلّة قليلة من منصّات إطلاق الصواريخ، وأغلبيّة المنصّات التي جرى تدميرها كُشفت عند تشغيلها وقصف إسرائيل من خلالها، وليس بناء على معلومات مُسبقة كانت بحوزة الإسرائيليّين، نتيجة إخفاء هذه المنصّات عميقًا تحت الأرض، من دون ترك أي شُبهات تسمح برصدها حتى بالنسبة إلى السُكّان القاطنين في محيطها.

وفي الخلاصة، لا حرب إسرائيليّة على لبنان، ولا حتى ضربة عسكريّة محدودة، بل مُجرّد رسائل سياسيّة وإعلاميّة تفتقر إلى المصداقيّة، وقد قابلها لبنان برسائل لا تختلف كثيرًا عنها، وذلك في إطار صراع مفتوح على مصراعيه منذ عُقود. والأكيد أنّ صواريخ "حزب الله" ليست مكشوفة إسرائيليًا، لكنّها ستكون محط كلام إسرائيلي كثيف في المرحلة المُقبلة، في إطار المعركة المُتصاعدة بين إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركيّة ضُدّ إيران وإمتداداتها الإقليميّة.