اكدت بيانات المؤشر العالمي "2018 -GPI" ان العالم أصبح أقل سلما وذلك وفقا للدراسة - على مدى العقد الماضي، ازداد مستوى الصراع في العالم بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن سمة الوضع الحالي هي نمو الصراعات التي يسببها العامل الديني. ووفقاً لهذه الظروف، تتسم الدعوات إلى الحوار والبحث عن توافق في الآراء خاصة من خلال جهود ​المجتمع الدولي​. هذه الأفكار مستوحاة من المؤتمر السادس لقادة الأديان العالمية والتقليدية، والذي سيعقد في الفترة من 10 إلى 11 تشرين الاول من هذا العام في ​أستانا​، عاصمة جمهورية ​كازاخستان​، وموضوع المؤتمر هو "القادة الدينيون من أجل عالم آمن".

يتساءل السياسيون والعلماء والنشطاء الاجتماعيون حتى يومنا هذا لماذا غالباً ما يتم ارتكاب العنف والكراهية تحت ستار الدين، في حين تسعى جميع أديان العالم إلى السلام والعدالة؟ ومن الواضح أنه لا توجد إجابة محددة على هذا السؤال، وإذا كان الأمر كذلك، الحلّ يتطلب جهوداً من قبل المجتمع الدولي بأكمله. واليوم، ان مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية، المنعقد في أستانا يشكل بحد ذاته أكبر منصة للحوار في العالم، يجتمع عليها الزعماء الدينيون والسياسيون والعلماء وممثلي المنظمات الدولية لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحا وإيجاد مبادئ توجيهية مشتركة على مختلف الجوانب، في كل ما يتعلق بالمشاكل الدينية والسياسة.

وكانت المرة الاولى ، لوصول قادة العالم من رجال الدين إلى عاصمة كازاخستان قبل 15 سنة، وتحديداً في عام 2003. وقد حازت مبادرة رئيس كازاخستان نور سلطان ​نزار باييف​ لإجراء حوار عالمي حول الاديان، على دعم العديد من السياسيين حول العالم، بمن فيهم الرؤساء ​فلاديمير بوتين​ و​جورج بوش الابن​ وجيانغ زيمين وكوفي آنان و​مارغريت تاتشر​. وفي هذه الوثيقة، اعلن المندوبون عن إجراءاتهم المشتركة لضمان السلام والمحافظة عليه، وكذلك مناشدة المجتمع الدولي. وجميع البيانات والقرارات النهائية للمؤتمرات السابقة للجميع للاطلع عليها.

وعلى مدى سنوات خلال انعقاد هذه المؤتمرات، اتسمت أهميتها انها لم تكن موضع تساؤل او شك سواء في كازاخستان أو في العالم. وقبل كل شيء، شكلت مؤتمرات أستانة حوارا فريداً من نوعه، ذي أهدافه نبيلة. وعدد الوفود التي تستقبلها استانا هي في استمرار متزايد حتى وصل إلى 90 مكتبا تمثيليا من أكثر من 40 دولة في العالم. وبالمناسبة، ففي العام 2015 في المؤتمر الخامس لقادة الديانات العالمية والتقليدية، كان ضيوف الشرف للمؤتمر ملك الأردن عبد الله الثاني، رئيس فنلندا سولي نينيست، مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ISESCO عبد العزيز بن عثمان التويجري، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون والأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في ​أوروبا​ لامبرتو زانيير والمدير العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ​إياد أمين مدني​، وجميعهم اكدوا في خطاباتهم على ضرورة تعزيز الحوار الديني، وهو أمر مهم بشكل خاص في سياق التهديدات المتزايدة الحالية للسلام العالمي والاستقرار الدولي.

يذكر انه تم إنشاء قصر السلام والوفاق عام 2006 خصيصًا لتنظيم المؤتمرات، وهو مبنى مصم على شكل هرم، يرمز إلى الوحدة. كما في عام 2017، افتتح متحف السلام والوفاق بهدف جمع المواد وإجراء البحوث في مجال تطوير حوار الثقافات والأديان. وفي العام نفسه، تم الاعلان عن جائزة "أستانا الدولية الخاصة للمساهمة في الحوار بين الأديان" والميدالية الفخرية للمؤتمر، والتي سيتم تقديمها هذا العام للمرة الأولى. ولكازاخستان اسبابها للقيام بهكذا حدث ذات أهمية عالمية عالية. فهي دولة تقع هذه في آسيا المركزية هو مركز جغرافي طبيعي يقع وسط أكبر الديانات الرئيسية في العالم "الإسلام و​المسيحية​ والبوذية".

تجدر الإشارة إلى أن كازاخستان هي دولة متعددة الأعراق والأديان، وفي نفس الوقت تحتل مكان رفيعياً في المؤشر العالمي للسلام. اليوم، يمثل مواطنو هذا البلد أكثر من 130 مجموعة عرقية، في حين بلغ عدد الجمعيات الدينية أكثر من من 3600 جمعية يمثلون 18 طائفة مختلفة. ومنذ الاستقلال كانت هذه الدولة تسعى إلى تحقيق الكمال والمواءمة بين العلاقات داخل البلاد و كما المجتمع العالمي. ومنذ 26 عاما، تطرح كازاخستان مبادرات لحفظ السلام، بما في ذلك أحداث ذات أهمية عالمية، وهي النبذ الطوعي للأسلحة النووية وإغلاق موقع التجارب (1991) والمبادرة والتأليف المشترك للإعلان العالمي للأمم المتحدة بشأن بناء عالم خالٍ من الأسلحة النووية (2015)؛ إعلان "بيان السلام". وفي القرن الواحد والعشرون عام 2016 تنظيم عملية مفاوضات السلام حول ​سوريا​ "مفاوضات أستانا"، وغيرها من المبادرات المتعددة. ومن الواضح أن أستانا أثبتت أن مبادراتها تتحول إلى آليات فعالة ذات اثار بعيدة المدى للعالم بأسره.

وبالعودة إلى موضوع مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية، يطرح السؤال ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه وما هي حاجته؟ ومن المؤمل الى جانب العديد من الآليات الاخرى، سوف يساهم هذا المنبر بالقدرة على المساهمة في تحسين الأمن العالمي في ايامنا هذه. فبعد كل شيء، من المستحيل المبالغة في دور الدين في المجتمع الحديث، وبطرق عديدة، فإن إمكاناته السلمية الهائلة غير مطبقة عمليًا. وفي هذا الصدد، تكمن أهمية التواصل بين الأديان في كونها موجهة ليس على طول مسار الصراع والعداء، بل هي ذات طبيعة حوارية بناءة، تسهم في نمو الأمن في العالم ككل، وفي زاوايها الفردية على وجه الخصوص. ويجري الحديث اليوم ليس فقط عن تفاعل الدين ودوره في العمليات الاجتماعية، ولكن أيضاً حول الحوار العالمي للعالمين الديني والعلماني، وحوار الدين والسياسة. ويشمل التنسيق بين الأديان للحوار الذي اقترحته أستانا أشكالا مختلفة للتفاعل، من المناقشات والمفاوضات والمشاورات إلى إبرام الاتفاقات والتنسيق المشترك للإجراءات بشأن قضايا محددة.

ومن المهم أن نفهم أن الحوار ليس دائمًا توافقاً ولكنه دائمًا بحث عن هذا التوافق هذا يعني أن مؤتمر القادة الدينيين العالميين في أستانا ليس حدثًا لمرة واحدة، إنه بالتأكيد عملية يجب أن تعمل على أساس مستمر. ويتيح الحوار للأطراف بالتغلب على "صورة العدو" ، للحصول على الثقة في نوايا وأفعال بعضها البعض، وبالتالي يؤدي إلى تنسيق العلاقات بين الأديان والأعراق، وفي نهاية المطاف، لتهدئة التناقضات السياسية. وبهذه الطريقة يمكن القول إن موقع أستانا خارج إطار الدبلوماسية الكلاسيكية أو العامة. ويشير رئيس كازاخستان نازارباييف، في كلمته التي ألقاها في المؤتمر الخامس السابق إلى أن المنبر قد أصبح بالفعل "عنصراً أساسياً في"الدبلوماسية الروحية" العالمية. وبالضبط هذا ما يؤكده قادة العالم الاخرين.