كالبورصة، ترتفع وتنخفض أسهم الحكومة اللبنانية المنتظرة. بلحظة تصل إلى أوجها، كما حصل الخميس الماضي، عندما "وعد" رئيسها المكلف ​سعد الحريري​ بولادتها في غضون عشرة أيام، معبّراً عن "تفاؤلٍ" قد يكون مسبوقاً، ولكن له دلالاته، خصوصاً أنّه ترافق مع حديثٍ عن "حلحلةٍ" على أكثر من خط، ولا سيما في ما يتعلق بالعقدة الدرزية.

بيد أنّ هذه الأسهم تنخفض بلحظةٍ مضادّة واحدة إلى ما تحت الصفر، كما توحي بعض السجالات التي عادت لتطفو إلى الواجهة، بين المكوّنات الأساسية المفترضة للحكومة، خصوصاً بعد عودة النقاش حول "المعايير" في أعقاب المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​.

وفي ظلّ الانقسام بين من يعتبر هذه السجالات مؤشراً إلى "فرملة" للاندفاعة الحكومية المستجدّة، ومن يرى فيها رفعاً للأسقف في ربع الساعة الأخير قبل الولادة الموعودة، يستمرّ النقاش في الكواليس حول سيناريوهات ما بعد انقضاء "وعد" الأيام العشرة، وفي مقدّمها "تعويم" الحكومة المستقيلة...

تقدّم ولكن...

على دفعات، ارتفعت وانخفضت أسهم البورصة الحكوميّة خلال الأيام الماضية، بدءاً من زيارة رئيس الحكومة المكلف إلى رئيس الجمهورية في قصر بعبدا حيث عبّر عن "تفاؤله" الأربعاء، وصولاً إلى إعلانه الخميس، عن ولادة حكومية مرتقبة خلال عشرة أيام على أبعد تقدير. إلا أنّ هذه الأسهم عادت وانخفضت في عطلة نهاية الأسبوع، على وقع اشتعال "الجبهة المسيحية" مجدّداً بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​"، خصوصاً بعد المؤتمر الصحافي للوزير باسيل والردود "القواتية" عليه.

وإذا كان اللبنانيون انقسموا في مقاربة الأمور بين من اعتبر أنّ باسيل "نسف" التفاؤل الحكوميّ، ومن قال إنّه أخّر "وعد" الحريري بالحدّ الأدنى، ومن رأى أنّ التفاؤل أصلاً كان "مصطنعاً"، ولا أساس له، فإنّ قراءة متجرّدة للتطورات تُظهِر بأنّ تقدّماً ما سُجّل على خط تأليف الحكومة خلال الأيام الماضية على أكثر من مستوى، إلا أنّ جميع المعطيات المتوافرة لا توحي بأنّ هذا التقدّم من شأنه أن يفضي إلى "الخاتمة السعيدة" المرجوّة، باعتبار أنّ العقبات التي تحول دون الولادة الميمونة للحكومة لم تُزَل بشكلٍ كاملٍ بعد، فضلاً عن أنّ "التهدئة" التي لا بدّ أن تكون من مقوّمات أيّ حلّ، لم تُرصَد على مختلف "الجبهات".

ولعلّ من المؤشّرات على التقدّم ما يُحكى عن التوصّل إلى شبه اتفاق على حلّ العقدة الدرزيّة، ولو أنّ ما طُرِح سبق أن طُرِح في محطات مختلفة من المفاوضات الحكومية، من دون أن يلقى الصدى الذي يجده اليوم، سواء لجهة موافقة "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" على "مقايضة" الوزير الدرزي الثالث بوزير من مذهب آخر، أو لجهة موافقة "التيار الوطني الحر" على استبعاد شخص الوزير ​طلال أرسلان​ من التشكيلة الحكومية، علماً أنّ الأخير الذي كان يصرّ على أنّه وحده يقرّر من يمثّله في الحكومة، كان يشترط كذلك الحصول على حقيبة وازنة.

ومع أنّ جبهة "القوات" و"التيار" استمرّت على "حرارتها" في الأيام الماضية، بل إنّ "الاستفزازات المتبادلة" بينهما تصاعدت، ثمّة من يتحدّث عن "حلحلة" على خط العقدة المسيحية أيضاً، قد يمثّلها ما يُطرَح من عروضٍ يمكن أن تُقدَّم إلى "القوات"، وتحديداً ما يتعلق بتنازل رئيس الجمهورية عن نيابة رئاسة الحكومة لصالحها، على أن تُسنَد إليها من دون حقيبة، ما يمكن أن يشكّل مَخرَجاً يدفعها إلى القبول بوزارة دولة، مع أنّ هذا العرض لا يزال محطّ أخذ وردّ، كون "القوات" تنفي تلقيها شيئاً يُذكَر حتى الآن، كما أنّ الكثيرين فهموا من كلام باسيل الأخير أنّ حصّة "القوات" لا ينبغي أن تزيد عن ثلاثة وزراء.

على خطى البرلمان؟

قد تكون العديد من المؤشرات تدلّ على وجود تقدّمٍ في مكانٍ ما في مفاوضات تأليف الحكومة، إلا أنّ الواقع اللبنانيّ، واستناداً إلى التجارب السابقة وغير البعيدة، يؤكد أنّ كلّ ما يُثار عن تقدّم وتفاؤل من هنا أو هناك يبقى حبراً على ورق، طالما أنّه لم يقترن بأيّ ترجمة حقيقية وجدية، تنفي فرضية مراوحة الأمور مكانها، علماً أنّ كثيرين لا يزالون مقتنعين بأنّ كلّ العقد الداخلية ليست أكثر من "ملهاة" لملء وقت الفراغ، بانتظار نضوج الحلّ خارجياً وانعكاسه تلقائياً على الحكومة.

من هنا، لا يزال الحديث مستمرّاً عن "سيناريوهات" المرحلة المقبلة، وبين هذه السيناريوهات أفكار سبق أن طُرِحت، منها توجيه رئيس الجمهورية رسالة إلى مجلس النواب، أو الذهاب إلى خيارات أخرى، على غرار حكومة مصغّرة أو حكومة أقطاب أو حكومة أكثرية، وإن كانت هذه الأنماط الحكومية خاضعة لحق "الفيتو" حتى الآن من العديد من الفرقاء، في مقدّمهم رئيس الحكومة نفسه. إلا أنّ أكثر "السيناريوهات" تداولاً اليوم يبقى طرح "تعويم" الحكومة، وهي فكرة تولّت "القوات اللبنانية" على وجه الخصوص الترويج لها.

وفي هذا السياق، ثمّة من يؤكد أنّ هذا "السيناريو" سيُطرَح على الطاولة رسمياً بعد انقضاء "وعد" الأيام العشرة، من باب "الضرورة" تماماً كما حصل في مجلس النواب، باعتبار أنّ البلاد لم تعد تحتمل المزيد من التسويف. ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّه تماماً كما شرّع الكثيرون لمجلس النواب "التشريع" في ظلّ حكومة تصريف أعمال، باعتبار أنّ الاستحقاقات داهمة، وخصوصاً ما يتعلق بتنفيذ تعهدات لبنان في مؤتمر "سيدر" تفادياً لخسارة ما حصل عليه لبنان من هبات وقروض ميسّرة للنهوض باقتصاده، فإنّ الاستحقاقات نفسها يفترض أن تشرّع توسيع صلاحيات "تصريف الأعمال"، فضلاً عن هموم وشؤون المواطنين التي لم يعد جائزاً رهنها بتحقيق "مطامع" البعض بحقيبة بالزائد أو بالناقص.

وإذا كان هذا الأمر إن حصل يشكّل "سابقة" من نوعها، لم تشهد مرحلة ما بعد اتفاق الطائف مثيلاً لها من قريبٍ أو من بعيد، فإنّ كثيرين يستبعدون إمكان الوصول إليه، لأنّه يشكّل "تطبيعاً" مع الوضع القائم، يفتقد إلى الحد الأدنى من المقوّمات الدستورية والمنطقية، وينطوي بذلك على "خطورة" أكبر بكثير من تلك التي توجّس منها البعض في "تشريع الضرورة". وعلى الرغم من أنّ "القوات اللبنانية" تبدو "عرّابة" هذا الطرح، فإنّ التقديرات لا ترجّح إمكان قبول حليفها "تيار المستقبل" به، ولو كان البعض "يفترض" أن الحريري قد يفضّل تعويم حكومة هو رئيسها، على أن يبقى رئيس حكومة أصيلة مع وقف التنفيذ.

ملهاة لا أكثر

كثيرة هي السيناريوهات والأفكار والطروحات والاجتهادات والفتاوى التي برزت منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، من دون أن يبصر أيّ منها النور، لأنّها، إن لم تصطدم بوضوح الدستور والقانون، اصطدمت على الأقلّ بـ "فيتو" أكثر من واضح لأحد الفرقاء.

من هنا، لا يبدو مبالَغاً به القول إنّ هذه الاجتهادات، شأنها شأن القضايا الخلافية والجدلية التي أثيرت بصورة مفاجئة من خارج جدول الأعمال الحكومي، لعبت دوراً واحداً وهو دور "الملهاة" للبنانيين، لملء وقت الفراغ القاتل، بانتظار توافق يبقى "عصياً" على الفرقاء.

قد تكون الرسالة واضحة. يريد "أقطاب" الطبقة الحاكمة في لبنان مواصلة لعبة "المقايضة" على "المغانم"، ولكن بصمتٍ وخفاء، من دون أيّ ضجّة أو بلبلة. فإلى متى؟!.