في الوقت الذي لا تزال فيه غارقة في "المستنقع" اليمني، يبدو أن المملكة العربية السعوديّة ستكون، في المرحلة المقبلة، أمام العديد من التحدّيات الكبرى، لا سيّما على الساحة الدولية، نتيجة أزمة إختفاء الصحافي ​جمال خاشقجي​ "الغامضة"، بعد دخوله إلى قنصلية بلاده في اسطنبول.

في السابق، نجحت الرياض في تجاوز الكثير من التقارير الدولية التي كانت تتطرق إلى أوضاعها الداخلية، خصوصاً على مستوى حقوق الإنسان، لكن هذه المرة تواجه حملة دولية واسعة لا يمكن التغاضي عنها، الأمر الذي دفعها إلى "الدفاع" عن نفسها في أكثر من مناسبة، لكن كل "الحجج" التي تقدّمت بها، حتى الساعة، لم تقنع "حلفاءها" قبل "خصومها"، حتى الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لم يكن قادراً على تجاوز الحادثة، التي باتت العنوان الأول في مختلف وسائل الإعلام العالمية.

وعلى الرغم من أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن تداعيات هذه الأزمة ستنعكس على العلاقات السعوديّة التركيّة فقط، يبدو أنها لن تتوقف على هذا الحد، فخاشقجي ليس مواطناً سعودياً عادياً بل شخصية عامة، وبالتالي هناك الكثير من المهتمّين في معرفة مصيره، كما أن أنقرة مهتمة بالوصول إلى نتائج حاسمة خلال فترة قصيرة، ولا مصلحة لها في غضّ النظر عن مسؤولية الرياض، في حال ثبت ضلوعها في إغتياله، كما تتحدث وسائل الإعلام التركيّة، نظراً إلى أن علاقاتها مع ​السعودية​، في الأصل، ليست على أحسن حال، بسبب الأزمة التي كانت قد تفجرت بين الرياض والدوحة، التي وقفت فيها تركيا إلى جانب قطر، بالإضافة إلى أن الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ يعتبر أن السلطات السعودية، إلى جانب نظيرتها الإماراتية، متورّطة في محاولة الإنقلاب العسكري الفاشل التي تعرضت له بلاده سابقاً.

وفي ظل العلاقات السعوديّة-الإيرانيّة المتوتّرة، تكون الرياض في أزمة مع أبرز دولتين على الساحة الإقليميّة، ما يعني بشكل أو بآخر تداعيات خطيرة على مستوى دورها في الشرق الأوسط، وهذا الأمر كان قد بدأ بالظهور بشكل واضح على مستوى الأزمة السوريّة، حيث تراجع دور الرياض إلى حدوده الدُنيا، لا سيما مع نجاح الجيش السوري في إستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، التي كانت خاضعة لـ"جيش الإسلام" المتحالف مع الرياض، والذي لم يعُد له من حضور يذكر مع إنتقال عناصره إلى محافظة إدلب، حيث السيطرة لهيئة "تحرير الشام" والفصائل المتحالفة مع تركيا، ما دفعها إلى بداية الإنفتاح على دمشق بشكل غير مباشر، من خلال اللقاء الذي عقد على هامش ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​، بين وزير الخارجية السوري ​وليد المعلم​ ونظيره البحريني خالد بن حمد آل خليفة.

بالتزامن، لا يمكن تجاهل حملة "الإبتزاز" التي يقوم بها الرئيس الأميركي تجاه الرياض، حيث لم يتردد، في الفترة الأخيرة، في الإعلان أكثر من مرة عن أنه طلب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز دفع أموال الحماية التي تقدمها بلاده له، ما دفع ولي العهد محمد بن سلمان إلى الردّ بطريقة غير مباشرة، عبر التأكيد أن بلاده تدفع الأموال مقابل شراء الأسلحة من ​الولايات المتحدة​، وهذا الأمر قد يكون له تداعيات كبيرة على المستوى الداخلي، في ظل الأوضاع التي تعاني منها الرياض نتيجة تراجع أسعار النفط، خصوصاً أن ترامب لم يتحدّث عن دفع الأموال مقابل أمن المملكة بل مقابل أمن الملك.

وفي ظل هذه الأوضاع، التي تترافق مع أزمات متنوعة على المستوى الداخلي، يبدو أن الرياض ستكون أمام خيارات محدودة، أبرزها الذهاب إلى التحدّي أو الرضوخ إلى الضغوط التي تتعرّض لها، وهنا قد يعمد أردوغان إلى تكرار تجربة ترامب، عبر دعوة السعودية، ولو بشكل غير مباشر، إلى دفع الأموال مقابل تجاوز التداعيات التي خلّفتها أزمة خاشقجي، خصوصاً إذا ما كانت أنقرة تملك أدلّة على تورط المسؤولين في القنصلية في اسطنبول عنها، لا سيما أن الرئيس التركي يواجه في المقابل أزمات داخليّة غير سهلة، نظراً إلى توتر علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، بينما من غير المتوقع أن يتراجع نظيره الأميركي عن المطالبة بالحصول على المزيد من الأموال السعودية، لكن السؤال يبقى حول المدى الذي تستطيع فيه الرياض الإستمرار في هذه السياسة، التي باتت عنوانا للإبتزاز الدولي العالمي؟!.