يتواصل اصطياد المطلوبين الكبار في ​مخيم عين الحلوة​، وكان آخرهم أمس توقيف مطلوب خطير، متخصّص في التزوير على أنواعه، هو الفلسطيني حسن نوفل الملقّب «الحكيم».. فما هي قصة هذه العملية؟ وأي دلالات تنطوي عليها؟

بعد رصد دقيق ومراقبة دؤوبة، استطاعت مجموعة من عناصر المخابرات المقنّعين ان «تتسلل» الى داخل المخيم، وتطبق على «الحكيم» في إحدى النقاط التي تبعد نحو 150 متراً عن أحد حواجز الجيش، حيث أُوقِف فوراً واقتيد في سيارة الى خارج المخيم، من دون ان تُترك له أي امكانية للافلات او المقاومة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ نوفل بدا هشاً وضعيفاً بعد اعتقاله، إذ ما لبث أن أصيب بعارض صحي تحت وطأة الصدمة والهلع. وفي المعلومات، أنّ الموقوف شعر بألم شديد في بطنه إستدعى نقله الى المستشفى فوراً حيث تبين أنه أصيب بأزمة قلبيّة خفيفة ويخضع حالياً للعلاج والمراقبة الطبية الدقيقة.

ومن المقرّر أن يبدأ التحقيق الموسّع معه بعد خروجه من المستشفى وكذلك مع مرافقه، وسط توقعات بأن تكون اعترافاته غنية، ربطاً بالمهمات التي كان يؤدّيها وبالصلات التي كانت تجمعه بالفارّين من العدالة.

وقد حرصت المجموعة الاستخباراتية من الجيش على إنجاز مهمتها المُباغتة بعناية ودقة، من دون أن تضطر الى استعمال العنف المفرط أو ​السلاح​، وذلك في سياق ​سياسة​ مدروسة تنتهجها ​مديرية المخابرات​ وتقضي باعطاء الاولوية لتنفيذ «عمليات نظيفة» في «عين الحلوة»، بغية الحؤول قدر الامكان دون وقوع خسائر في صفوف الجيش او الفلسطينيين على حد سواء، حتى لو تطلب ذلك وقتاً أطول أو جهداً اضافياً.

وأخطر ما في دور حسن نوفل («الحكيم») انّه كان «ملك التزوير» بامتياز في «عين الحلوة» وملاذ المطلوبين على اختلاف درجاتهم، على ما تؤكّد مصادر أمنية لـ«الجمهورية»، موضحة انّه «كان «بائع خدمات» لكل من يدفع له، وكان يؤمّن جوازات سفر وهويات شخصية لمطلوبين خطيرين بغية تسهيل تنقلاتهم في مهماتهم أو لتأمين فرارهم الى خارج المخيم او لتحسين ظروف بقائهم فيه، كما أنه يبيع خدماته لمواطنين عاديين كان يطلبون منه تزوير هويات أو معاملات وهو عُرف ببراعته في هذا المجال.

وعليه، يتجاوز توقيف نوفل أو «الحكيم» بمفاعيله ومردوده الشخص المطلوب، بحد ذاته، الى دائرة أوسع، في اعتبار أنّ الإرهابيين والمرتكبين الذين ما زالوا متوارين عن الانظار في المخيم فقدوا باعتقال نوفل ركيزة اساسية لهم، وبالتالي أصبحت فرصهم في التمويه وتضليل الأجهزة الامنية ضئيلة، الامر الذي من شأنه ان يُضيّق قدرتهم على الحركة.

وفيما تردّد انّ الموقوف كان قد زوّر جواز سفر الشيخ احمد الاسير الذي حاول استخدامه للخروج من لبنان قبل ان يتم توقيفه في المطار، أوضحت المصادر الامنية ان التثبت من هذه الفرضية ينتظر استكمال التحقيقات مع «الحكيم».

وكانت ​قيادة الجيش​ قد أصدرت بياناً أوضحت فيه انّه وبنتيجة الرصد والمتابعة تمكنت مديرية المخابرات من توقيف أحد ابرز وأكبر مزوري جوازات السفر والهويات الشخصية والعملات الاجنبية والمحلية المطلوب حسن نوفل الملقّب بـ «حسن الحكيم» ومرافقه.

وهذه العملية ​الجديدة​، معطوفة على ما سبقها، أتت لتؤكّد استمرار الجيش في الإمساك بالمبادرة الامنية في «عين الحلوة» ونجاحه في فرض إيقاعه على الارض داخل المخيم، ولو من خارجه، عبر ضربات موضعية وموجعة، و«إنزالات» اسىتخباراتية في العمق، تعكس إصراره على عدم اعطاء المطلوبين فرصة لالتقاط الانفاس أو للإنتقال من الدفاع الى الهجوم.

وما ساهم في نجاح هذه الاستراتيجية حتى الآن هو تعاون معظم ​الفصائل الفلسطينية​ التي يبدو أنها رفعت الغطاء السياسي عن «الرؤوس» المتورطة في جرائم وارتكابات، استجابة لطلب الجيش وضغطه.

وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» انّ هناك قرارا مركزياً متخذاً على أعلى مستوى في قيادة الجيش بملاحقة المطلوبين في «عين الحلوة» وأي بقعة لبنانية، للجم خطرهم على ​الأمن الفلسطيني​ واللبناني، مشيرة الى انّ الجيش أبلغ الى المعنيين في «عين الحلوة» أنّه «ممنوع ان يكون المخيم ملجأ للفارّين من العدالة او منطلقاً لتهديد الاستقرار».

وتشدد المصادر على «انّ العمليات الدقيقة التي تنفذها المخابرات ليست وليدة المصادفة بل هي ترجمة لاستراتيجية الأمن الوقائي التي تنفذها ​المؤسسة العسكرية​ بهدوء، وفق افضل المعايير الممكنة والهادفة الى تجنب أي خلل ميداني أو ردود فعل حادة»، لافتة الى «انّ اعتقال كبير المزورين حسن نوفل هو انجاز نوعي، من شأنه ان يشلّ كثيراً حركة المطلوبين وان يقلّص هامش قدرتهم على التخفي، الامر الذي سينعكس ايجاباً على الأمن في المخيم وخارجه».