نجح الصحافي السعودي جمال الخاشقجي من تحريك العالم اجمع في غضون ايام قليلة للانتصار الى قضيته وكشف مصيره الذي يتراوح حتى الآن بين الاختفاء والموت. وواقع الحال اليوم في هذه القضية منقسم بين جبهتين: الاولى تمثّل وجهة نظر ​السعودية​ ومن يدعمها بالقول ان الخاشقجي مجهول المصير وليس مقتولاً، او على الاقل لم يُقتل داخل القنصلية السعوديّة في ​تركيا​، والثانية تقول العكس تماماً وتعمل على ايجاد الادلّة والبراهين الكفيلة بتثبيت هذا القول.

سيناريوهات كثيرة يمكن وضعها في هذه القضية، ولكنها كلّها لا تمت الى الايجابية بصلة، ان على الصعيد الشخصي او على صعيد دول وانظمة. ففي حال كانت وجهة النظر السعوديّة هي التي ستصحّ، لجهة ان الخاشقجي لا يزال حياً وبعيد عن السعودية، فلا شك ان وضعه لن يكون ابداً كوضع الرئيس السابق للانتربول مينغ هونغواي الذي تبيّن بعد ايام على فقدانه انه موقوف لدى السلطات الصينية بتهم تتعلق بالفساد. الاختلاف بين القضيتين، هي ان السعودية، وخصوصاً بعد تولّي وليّ العهد الامير محمد بن سلمان زمام الامور، اعطت صورة قاتمة عن طريقة التعامل مع الذين يخالفون السلطة رأيها، ولم ينسَ احد قضية رئيس الحكومة اللبناني ​سعد الحريري​ وملابساتها، واحتجاز الامراء السعوديين في فندق "ريتز-كارلتون"، وقضاء مسؤولين سعوديين في ظروف غامضة، ومسار حريّة الرأي الذي أدى الى خلاف مع كندا... كل هذه الاحداث وضعت السلطات السعودية في قفص الاتّهام، اضافة الى المعطيات الحسيّة لجهة توثيق دخول الخاشقجي وعدم اثبات خروجه من القنصلية، وغيرها من الدلائل التي تعمل تركيّا على توفيرها. وبالتالي، وحتّى لو صح ان الخاشقجي حيّ ولكنه محتجز، فإن التداعيات ستكون ايضاً سلبيّة على السعوديّة كونها قامت بعملية "خطف" على ارض اجنبيّة وهو امر لن يمرّ بشكل عابر، وبالاخص مع تركيا الطامحة الى اخذ الدور السعودي في المنطقة والتحدّث باسم السنّة في المستقبل القريب.

اما في حال صح السيناريو الثاني وكان الخاشقجي ميتاً، فإنه من الصعب ان تخرج السعوديّة من هذا المستنقع دون اضرار جسيمة وفادحة سياسياً ودبلوماسياً. وبغض النظر عن اسباب وطريقة وفاة الخاشقجي -بعد اعلان وفاته رسمياً- بعد التكهنات عن ان السعوديين ارادوا توجيه رسالة قاسية له وتعرض لنوبة لم ينج منها وكان التخلّص منه الوسيلة الوحيدة لانقاذ الموقف، او انه تم "تقطيعه" ونقله بعدد من السيارات للتمويه، او وضعه بالقوة داخل سيارة دبلوماسية و"تهريبه" الى السعودية بواسطة طائرة خاصة حيث تمت "تصفيته"...، بغض النظر عن كل ذلك، فإن وفاة الخاشقجي ستحرج السلطات السعودية وكل من يدعمها اقليمياً ودولياً، وستكون فرصة لمعارضيها لتحقيق اكبر المكاسب السياسية والمادية التي يمكن تحقيقها. ولن يجد مثلاً الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ اي حرج في طلب المليارات من الدولارات للمساعدة على احتواء الازمة، او ربما تخفيف حدّتها ونتائجها، فيما ستعمد تركيا وقطر و​ايران​ وغيرها من الدول الى خلق اجواء دولية ملائمة للاعلان عن ادانة دولية تترافق وتدابير قاسية جداً بحق المملكة والمسؤولين فيها، لن تقتصر تداعياتها على المدى القصير. والاهمّ من كل ذلك، هو أنّ النظام السعودي سيهتزّ بفعل هذه القضية، كما ان نفوذ الرياض في الدول العربيّة وبعض الدول الافريقيّة لن يبقى على ما هو عليه.

ازاء كل ذلك، من المنصف القول ان كل السيناريوهات المطروحة في قضية الخاشقجي لها أثر سلبي على الخاشقجي اولاً، وعلى السعودية بأكملها ثانية وستشكل ضربة قاسية جداً بالنسبة الى المسؤولين السعوديين بشكل عام وولي العهد بشكل خاص، ولن يكون هناك من مجال لـ"لفلفة" المسألة لأنّ تشعباتها انتقلت من المحلّي الى الاقليمي والدولي، وحتى الأممي.