تمكنت الجمهورية ال​إيران​ية من تحقيق إنجاز "مالي" الأسبوع الماضي تمثّل بخفض الدولار الاميركي امام الريال الإيراني ليصل الى 60000، قبل أن يعود ويستقر عند حدود الـ130000، بعد أن وصل سابقاً إلى حدود الـ180000. ساهم هذا الأمر بخلق موجة تفاؤل كبيرة في الشارع، الا أن التصريحات الاخيرة للمرشد الأعلى للثورة في إيران السيد ​علي خامنئي​، أعادت القلق الى الواجهة.

لم يعتد الايرانيون على خامنئي متحدثا عن خطورة الوضع الاقتصادي، وبالتالي كان تصريحه، بحسب مصادر "​النشرة​"، مقلقا لـ"راحة الايرانيين"، فهو وإن أراد بقوله تحميل المسؤولية للقيادة الإيرانية، الا أنه ساهم عن غير قصد بتخويف الشعب، مع العلم أن المواطن الايراني اعتاد دائما على خطاب تشجيعي من خامنئي على ضرورة التحمّل والصبر على العقوبات.

قبل أقلّ من شهر واحد على تشديد العقوبات الأميركيّة على إيران، والتي ستشمل بشكل أساسي قطاعات النفط، النقل البحري والطاقة والقطاع المصرفي، ارتفع منسوب الخوف والقلق مما ستؤول اليه الاوضاع في الأيام المقبلة. يقول مالك فندق عباسي في أصفهان، وهو أحد أقدم الفنادق في طهران أن الجنرال شارل ديغول قد نام في فندقه، داعيا الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون للحضور لإيران وزيارته. هذا الأمر يؤكد على رغبة الشعب الإيراني في الانفتاح على الدول الأوروبيّة، الأمر الذي يعارضه الفريق المحافظ ويدعو اليه الفريق الإصلاحي الذي يقوده الرئيس ​حسن روحاني​، مع العلم أن هذا الفريق لا يرى مصلحة إيران بالانزواء بل بالانفتاح وصناعة التسويات السياسية العالمية التي تصل الى كافة الامور ما عدا تلك المتعلّقة بأسس الثورة الاسلامية.

ترى المصادر أن "العلاقات الإيرانيّة الاوروبيّة شهدت تقدما ملحوظا منذ بداية عهد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ حتى اليوم"، كاشفة أن هذا الكمّ من الإيجابية في التعامل الأوروبي مع إيران والذي لم تكن تتوقعه السلطات الإيرانية، يبقى مقتصرًا لوحده على مواجهة الحرب الاميّركية الاقتصادية، الأمر الذي دفع المسؤولين الايرانيين لملاقاة الاوروبيين في منتصف الطريق.

وتضيف المصادر: "أولى خطوات التوجّه الجديد كانت مصادقة البرلمان الإيراني على قانون مكافحة تمويل الإرهاب، رغم المعارضة الشرسة من المحافظين، وهذا القانون يخوّل إيران الانضمام لاتفاقية مجموعة مراقبة العمل المالي FATF، وبالتالي هي خطوة للأمام للبحث عن حلول تحمي الإقتصاد الايراني من تبعات العقوبات الأميركية. وتشير المصادر الى أن إيجابية هذا القانون هو تمكينه الايرانيين من استكمال التعامل مع الصين وروسيا، بعد تحذيرهما لها بأنهما غير قادرين على الاستمرار بالتعامل المالي معها بحال لم تنضوِ تحت راية هذه الاتفاقية.

ومن إيجابيات الدخول في الاتفاقية الدولية بحسب المصادر شطب ايران عن اللائحة السوداء للبلدان التي ترفض التعاون مع المنظّمة، (وإيران مع كوريا الشمالية الدولتان الوحيدتان المدرجتان على اللائحة السوداء لـ"مجموعة مراقبة العمل المالي")، تحديدا بعد المهلة التي اعطتها "مجموعة مراقبة العمل المالي" لإيران حتى تشرين الأول الحالي لاستكمال إصلاحات لتجنب عواقب قد تزيد عزوف المستثمرين عنها.

من اجل هذه الإيجابيات تمسّك الإصلاحيّون بالخطوات الجديدة وأقروها، بينما عبّر المحافظون عن عدم رضاهم عنها. وهنا تكشف المصادر أن الانقسام بين الاصلاحيين والمحافظين يكمن في أن حكومة روحاني التي تمثّل الاصلاحيين تريد تبديد مخاوف المستثمرين الأجانب من مخاطر العمل في إيران، والمصادقة على هذا الاتّفاق تساعدها على هذا الدور، بينما يرى المحافظون في هذا القرار تأثيرا على أنشطة ​الحرس الثوري​ لا سيما تمويل الأحزاب الخارجية (ك​حزب الله​ والحوثيين وحماس...)، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. وتشير المصادر الى أن "استمرار إيران بالتطلع للأزمات الاقليمية وغضّ النظر عن أزمات الداخل سيؤدي لدمار المجتمع الإيراني".

اذا، تبحث ايران عن سبل حماية الاقتصاد والانفتاح على الأسواق الآسيوية والاوروبية للتقليل من آثار العقوبات الأميركيّة المقبلة، فهل تنجح في ذلك؟.