لا شكّ أن الحرب التي شهدتها ​كوسوفو​ بين عامي ١٩٨٩ و١٩٩٩ أثّرت بشكل كبير على بنيتها التحتية واقتصادها. ويعوّل المواطنون على الثروات الطبيعية الموجودة فيها وخاصة المناجم بالإضافة الى الصناعات المعدنية. كما وأن آخر الدراسات الجيولوجية أثبتت وجود كميات كبيرة من الذهب والكروم والألومينيوم والنحاس والحديد وغيرهم من المعادن وهي تصلح للإستثمار، غير أن واقع الصناعة ليس ذهبياً ولو أن كوسوفو حقيقةً هي أرض من ذهب.

ولا شك أن طبيعتها الخضراء وجبالها العلياء هي الواحة الملائمة للمزارعين وللأشجار ولتربية الأبقار، لذلك تشتهر بصناعة الأجبان، وبأخشابها التي تسهم بشكل كبير في تعزيز اقتصاد البلاد. وساهم السويسرانيّون في تطوير هذه الصناعة لأنها الأبرز في البلاد، من خلال تدريب العمال وتعزيز المكننة والبرامج. وتسعى الحكومة مع القطاع الخاص الى توفير أكبر عدد من الوظائف سنوياً كي يتسنّى للشباب البقاء في البلاد عوض السفر الى الخارج.

وكوسوفو البلقانية هي دولة تشبه ​لبنان​ حتى في تجارتها. فهي بلد مستهلِك وليس مُنتجا، تستوردُ أكثر من تسعين في المئة ولا تصدّر سوى سبعة في المئة، الا اذا ستثنينا بعض الشركات التي تحتلّ مواقع عالمية في الصناعات سوف نتحدث عنها.

وتشبه كوسوفو لبنان بمواطنيها المنتشرين حول العالم. سكانها داخل البلاد هم حوالي المليونين، وحول العالم ينتشر مليوني مغترب، يقيمون في مختلف بلدان العالم، يزورون بلدهم في الأعياد والصيف، ولا يبخلون عليها، اذ أنهم يرسلون التحويلات لذويهم باستمرار، ما يعزز الإقتصاد، ويدعم المقيمين كي تستمر الحياة بشكل كريم.

وعلى الرغم من التعاون الكبير بين كوسوفو والإمارات، حيث تمّ في قوت سابق توقيع مذكرة تفاهم بين الدولتين، تهدف الى مساعدة الأولى في تحسين قدرتها التنموية وتحقيقهاإجتماعيا وإقتصاديا، عبر تطوير الأنشطة وأطُر التعاون المتبادلة في إطار التقدّم والتعاون الثنائي، الا ان هذا الإهتمام الخليجي في المساعدة في تنفيذ برامج إقتصادية عربية ما يزال ضعيفاً.

ما حكاية الأرامل و​الفلفل​؟

يوم ٢٦ آذار عام ١٩٩٩ كان يوماً مفصلياً في حياة أبناء بلدة كروشا. كانت الحرب، والتقاتل والعنف في أبهى جولاته. والقرية المذكورة الهادئة تحتضن مئات العائلات الذين ما إن اندلعت نيران المدافع فيها، حتى سارع الرجال الى إفراغها من النساء والأطفال، وإرسالهم الى خارج المنطقة، في حين بقي الشيوخ والشباب، يواجهون الموت دفاعاً عن قريتهم ومنازلهم. وكانت النتيجة أن قُتل رجال كروشا بأكملهم. فسقط أكثر من مئتي رجل وصبي تتراوح أعمارهم بين ١٢ و٩٠ عاماً في أبشع جريمة حرب.

انتهت الحرب، وعادت النساء الى منازلهن، فلم تجدنَ لا الزوج ولا المنزل. قرية نساءٍ من دون رجال. مرحلة جديدة في الحياة كان على نساء كروشا أن تلبسنَ فيها الأسود، وتكشفن عن سواعدهنّ، وتعملنَ في الزراعة كي تكسبن لقمة العيش بكرامة.

قرية الأرامل هي زراعية بطبيعتها. فكان لا بد عليهنّ أن تحرثن الأرض وتزرعنها كما كان أزواجهنّ يعملون.

السيدة فريجة هوتي قامت بتأسيس تعاونية تصدّر اليوم منتوجاتها الى كل البلاد وبعض الدول الأوروبية. والبداية ، كل الحكاية، في مرطبان فلفل.

الأرض الزراعية في كروشا مع عامل المناخ فيها تنتج الفلفل الأصفر الذي تفتقد اليه ​اوروبا​ بزراعتها. وكانت الأرامل غير قادرات على إيصال المحصول الى الأسواق نظراً لعدم توفر الإمكانات. فاعتمدن على تخليلها وبيعها بمراطبين وعُلب. وبفضل التعاون مع المنظمات غير الحكوميّة والجمعيّات، و​البنك الدولي​، أصبح لقرية كروشا اليوم هذه التعاونية، وأصبح فلفل كروشا منتجاً اوروبياً شهيراً، وأصبحت أراملها مثالاً يُحتذى به بين نساء الأرض.

سْتون كاستل و​النبيذ​ العالمي

خمس خمّارات في كوسوفو وضعت البلاد على الخارطة العالميّة للنبيذ. ولكن أسطورة شركة (سْتون كاستل) تستوقف الزمن عند كل من يزورها كما رحلتها التي كنت عابرة للأزمان. تأسست عام ١٩٥٣، ولكن انطلاقتها العالمية كانت على يد رجل الأعمال الألباني، إبن كوسوفو، روستيم جيتساي، الذي اشتراها عام ٢٠٠٦، وبدأت رحلة نبيذ كوسوفو تشقّ طريقها الى مختلف دول العالم من اوروبا وحتى القارة الأميركية.

تملك الشركة مئات الهكتارات من كروم العنب التي تشكل لوحة رائعة تذكرك بكروم فرنسا او سويسرا.

واليها توجّه وفد ​الأمم المتحدة​ للتعرّف عليها والتي حملت كوسوفو بعد الحرب الى موائد العالم وذوّاقة النبيذ.

عند مدخل القلعة الحجرية، وهي الترجمة الإسميّة للشركة، استقبلنا السيد روستيم جيتساي، صاحب سْتون كاستل، قائلاً: مير براما، ومعناها مساء الخير باللغة الألبانية. تسابق الوفد مع ساعات الضوء الأخيرة ليتمتع بمنظر كروم العنب التي تأخذك الى الأفق الأخضر البعيد دون أن ترى حدودها. فور الدخول الى القلعة الحجرية، يُسحَرُ الزائر ويسكَر برائحة النبيذ الذكيّة، وتضيع حواسه بينها وبين معزوفات البيانو التي تصدَح بين أروقة براميل النبيذ العملاقة، المصنوعة من خشب البلّوط، والتي تعتّق خمسين مليون ليتر من النبيذ. حقاً، انه مشهد لن تألفه الاّ في لبنان، ولا يمكن أن تراه الا في فرنسا او استراليا او الأرجنتين او الصين.

ويُخبر جيتساي كيف اشترى عام ٢٠٠٦ شركة القلعة الحجرية للنبيذ مع شريك له، وكيف تنتج الشركة سنويا ٣٠ مليون ليتر من النبيذ والبراندي. نبيذ قصر الحجر يُعدّ من أبرز الشركات التي تدعم اقتصاد كوسوفو، وتساعد المزارع على البقاء في الأرض. ويؤكد صاحب قصر الحجر ان صناعة النبيذ تجمع بين أحدث التقنيّات مع الأساليب التقليدية.

تمتلك سْتون كاستل حوالي ٢٢٠٠ هكتار من الأراضي الزراعية، ٦٠٠ لتزرع العنب، كما وأن التلال فيها يتراوح ارتفاعها بين ٣٥٠ و٥٢٠ متراً، وهي معرّضة للإشعاع الشمسي، الأمر الذي يتيح للشركة إنتاج أفضل أنواع النبيذ. ويشرح جيتساي كيفية قطف العنب يدوياً وتحت إشراف الخبراء والمهندسين، ما بين شهر أيلول وتشرين الأول من كل عام.

كما وأضاف أن الشركة استطاعت أن تحجز موقعاً متقدماً في البلاد على الرغم من المنافسة الشديدة إذ أن شركات النبيذ في كوسوفو هي ذات أهمية ونجاح، لكن القلعة الحجرية نجحت واجتازت حدود كوسوفو، فوصلت المانيا، سويسرا، كرواتيا،وجمهورية التشيك، والى القارة الأميركية وكندا.

وفي المساء استضاف صاحب القلعة الحجرية وفد الأمم المتحدة الى مائدة عشاء مزيّنة بكل أصناف النبيذ الفاخر، ورفع كأسه مرحباً بالوفد الأممي قائلا ً: غْزُواَر بالألبانية أي (كاسكن)، ووعد باستضافتهم في فندق القلعة الذي يشرف على الإنتهاء مساهمة من رجل الأعمال جيتساي في دعم السياحة الى جانب الإقتصاد في كوسوفو.