تُدرك القوى المسيحية المناهضة لسياسات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ أن رغبتها بالتصدّي له ومواجهته سياسيًّا من خلال انشاء جبهة موحّدة شيء، وأن الواقع شيء آخر تماما. فبالرغم من كل المحاولات والمساعي التي لا يزال بعضها ناشطا، والتي تهدف الى ايجاد قواسم مشتركة بين الأحزاب المسيحيّة وأبرزها "القوات اللبنانية" و"المردة" و"الكتائب"، لا يزال حلم هذه القوى بعيد المنال بانشاء تكتّل لوضع ما يصفونه بالحدّ لمحاولات رئيس "التيار الوطني الحر" فرض نفسه ناطقا باسم كل المسيحيين في لبنان.

اذ يستعد رئيسا "القوات" ​سمير جعجع​ و"المردة" ​سليمان فرنجية​ لمصالحة تاريخيّة، لم ينجحا حتى الساعة بوضع أسس لتحصينها، بغياب الرؤى الموحدة بين الفريقين وبخاصة تلك المتعلقة بالبُعد الاستراتيجي. ويصرّ مصدر قيادي في تيار "المردة" على حصر التقارب الحاصل مع "القوّات" بالسعي لتثبيت المصالحة، التي يقول أنها حصلت في مراحل سابقة حين قرر رئيس التيار سليمان فرنجية مصافحة جعجع في أكثر من مناسبة، لافتا الى ان لكل فريق رؤيته ومشروعه السياسي الذي يتناقض في كثير من نقاطه مع الفريق الآخر، قائلا، "لكننا توصلنا الى بعض التفاهمات المحدودة المرتبطة بالملفّات الداخليّة. لعلّ الوقت كفيل بالتوصل الى تفاهمات جديدة، رغم التباعد الكبير في نظرتنا الاستراتيجيّة لملفّات المنطقة، وبخاصة لجهة العلاقة مع سوريا".

وليس مستغربا أن يفشل العدُوّان التاريخيان بصياغة تفاهم متين، طالما الحليفان الدائمان على مرّ السنوات واللذان كانا حزبا واحدا أي "القوات" و"الكتائب"، لم ينجحا حتى الساعة باستعادة علاقتهما السابقة، والتي تدهورت في السنوات الماضية وبالتحديد بعد المصالحة العونية–القواتية وشعور "الكتائب" أنه قد تم تغييبه بهدف اقصائه، ما جعل رئيسه النائب ​سامي الجميل​ ينتقل الى صفوف المعارضة، ليخوض وحيدا المعركة بمواجهة قوى السلطة طوال المرحلة الماضية. اليوم عاد الجميل الى المهادنة والى وصل ما انقطع مع معظم الأحزاب، فقرّر التقرّب من العهد ورئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، كما حاول تعميق العلاقة مع سليمان فرنجية، من دون أن يبادر الى مصالحة جعجع. ويبدو أن القيادة القواتيّة لم تتخطَّ بعد الهجمة التي شنّها الجميّل على وزراء القوات، وتعاطيه معهم كجزء من المنظومة الحاكمة، التي عمم على مكوناتها تهمة الفساد واتمام الصفقات المشبوهة. اذ تتحدث مصادر قواتيّة عن علاقة أقل من عاديّة تجمع الحزبين، ما يجعل أيّ امكانيّة لتشكيل جبهة موحّدة تضمّ المردة الى الكتائب والقوات أمر أكثر من مستبعد في المرحلة الراهنة.

وتُدرك هذه القوى أن مصلحتها الآنيّة قد تقتضي رصّ الصفوف لمواجهة باسيل، لكن مصالحها المتوسّطة المدى قد تحتم عليها الحفاظ على حد أدنى من التفاهم، من دون أن يعني السعي لما هو أكثر من ذلك. وفي هذا الاطار، تذكّر مصادر مسيحيّة مطّلعة بأنّ كل القادة الموارنة هم بالنهاية مرشحون للانتخابات الرئاسيّة المقبلة، وبالتالي تماما كما أن الكلّ ينتقد باسيل حاليا لسعيه بما يعتقدون أنّه استغلال العهد الحالي لوضع أسس لـ"عهده المقبل"، فهم لن يتونوا عن خوض أشرس المواجهات السياسيّة لتحجيم بعضهم البعض قبل موعد الانتخابات الرئاسيّة المقبلة في العام 2022، ما يعني ان ما قد يرى فيه البعض تكتّلاً مسيحيًّا للتصدّي لباسيل، لن يتأخّر أن يتداعى مستقبلاً مع انطلاق السباق الفعلي للرئاسة.

وتعتبر مصادر قياديّة عونيّة أن المصالح السياسيّة هي التي تسيّر اللعبة في لبنان لا التحالفات المتينة المبدئيّة، ما يجعل التفاهمات على القطعة هي الرائجة في المرحلة الحالية. وقالت المصادر، "نحن اليوم نتمركز في الوسط، ولسنا في تحالف ثابت ونهائي مع أيّ من القوى سواء على الساحة المسيحيّة أو الوطنيّة، ونعتقد أن في ذلك خير لنا وتحقيقا للمصلحة العامة في آن، باعتبار اننا غير ملزمين على مسايرة أيّ من الاطراف بملفّ ما، نرى أنه لا يخدم الخير العام وبالتالي نتخذ قراراتنا ونصيغ تحالفاتنا على القطعة، وهو نمط أرسيناه في الحكومة الحاليّة وسنتمسّك به في الحكومة الجديدة. فقد التقينا مثلا مع المستقبل على ملفّ الكهرباء وعلى الكثير من المقاربات الاقتصاديّة واختلفنا مع ​حزب الله​ منذ العام 2006 على طرح البواخر، لكن ذلك لا يعني اننا بتنا اقرب الى المستقبل منّا الى الحزب بالرؤية الاستراتيجيّة لملفّات المنطقة وبالتحديد للملف السوري".