لم يستطع الرئيسان الأميركي ​دونالد ترامب​، والتركي ​رجب طيب اردوغان​ من الإقدام على خطوة عمليّة واحدة في الهجوم الذي تعرضت له ​المملكة العربية السعودية​، بعد اختفاء الصحافي ​جمال خاشقجي​ داخل القنصليّة السعوديّة في تركيا. كل التهديدات الترامبيّة، والتصريحات الاردوغانيّة المرتفعة، حول مسؤولية الرياض بشأن قضية خاشقجي، تطايرت في الهواء. فلم يستطع احدهما ترجمة وعيده، لا بل العكس، كانا ينتظران إيجاد السعوديّة سبيلاً للفلفة القضيّة. وحدها ايران كانت الاكثر حنكة، فلم تُصدر موقفاً سلبياً بحق الريّاض، قبل ان تتكوّن لديها صورة كاملة عما جرى. قد يكون موقف طهران ينبع من ان خاشقجي لعب دوراً سيئاً في التحريض ضد الإيرانيين وحلفائهم، أو تكون الحسابات الإيرانيّة تنطلق من عدم الرغبة بزيادة التوتّر مع المملكة العربيّة السعوديّة. بالحالتين، لم تكن طهران استفزازيّة، ولا أوحت بالتدخل بشأن سعودي، لا بل اوصلت رسالة للريّاض، انها حين تتعرّض المملكة للحصار والهجوم، لا تستغلّ ايران الوضع كي تنتقم من السعوديين، لا بالموقف، ولا بالفعل. حتى ان طهران اكتفت بالترقّب، حين جرى استخدامها عصا بوجه البيت الأبيض، بتلويح أصوات سعوديّة بترتيب العلاقة مع الايرانيين بحال نفّذت الولايات المتّحدة تهديداتها بفرض عقوبات بحق السعوديّة. قد تكون الرياض فهمت الرسالة، بأنّ الإيرانيين لا ينتقمون من المملكة بحالة ضعفها، ولا يستغلّون أزمتها.

تلك المحطّة تفرض على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اعادة ترتيب علاقات بلاده، ولو بالحدّ الأدنى، مع طهران. لكن هل تسمح الولايات المتحدة الأميركية بذلك؟.

ثبّتت وقائع التصدّي السعودي للتهديد الأميركي للمملكة، ولو من خلال المواقف لا غير، أنّ الرياض قادرة على القول لواشنطن: لا. هي لم ترضخ، وعاندت حتى اجبرت ترامب على القبول بتسوية بشأن قضية خاشقجي، ستتمحور حول تصرّف مسؤولين سعوديين بالإستدراج والتحقيق ومقتل خاشقجي من دون علم السلطات العليا في الرياض، وتحديدا الديوان الملكي الذي سيطالب بالقصاص من المسؤولين عن العملية.

نجح بن سلمان في مواجهة الاميركيين والأتراك معا، بالترغيب او بالترهيب، لا يهمّ ان كان سيدفع اموالا على خطّي تركيا والولايات المتحدة، أو يلوّح فعلا بتحسين علاقات بلاده مع إيران. المهم أنّ بن سلمان نجح في التغلب على ترامب واردوغان معا، فلم يستطيعا ان يجبرا الرياض على التنازل، ولا تحمّل بن سلمان المسؤولية. لا بل استطاعت السعوديّة فرض الادعاء انها تتعرّض الى حملة اعلاميّة لتشويه صورتها والحدّ من اندفاعة الحملة الاصلاحيّة لوليّ العهد. وحدهم الامراء الذين يحملون قلادات في ارجلهم، تشكّل ضمانات للاقامة الجبريّة او لمنع الهروب، يعرفون أن لا قدرة لأحد في العالم على زحزحة بن سلمان، طالما ان الاموال تُدفع لعواصم خارجية بالاستثمار السعودي، او المكافآت الماليّة المباشرة.

فماذا سيجني ترامب واردوغان؟

كل خطاب وسياسة الرئيس الاميركي تقوم على أساس تأمين الاموال لبلاده، بشتى الطرق، وهو كان يخاطب السعوديين عبر الاعلام ان الدفع للأميركيين واجب على المملكة لحماية حكمها، ووجودها، في وجه تهديدات افتراضيّة تأتي من إيران. وعندما هدّد ترامب بالعقوبات، لم يتجرأ على طرحها، مبرراً بان تلك العقوبات ستجرّ تداعيات سلبية على الشركات الأميركية. لا دخل لواشنطن بخاشقجي، ولا علاقة للاخير بالاميركيين. هنا تكمن سياسة ترامب القائمة على أساس مصلحة الاميركيين، لا حفاظا على أيّ عناوين كان يتغنّى بها الاميركيّون طويلا بأنهم حُماة الانسان وحقوقه على مساحة العالم.

امّا اردوغان الذي يمضي ضمنا بذات التوجّه الترامبي، أيّ بالمصلحة الماليّة لبلاده، التي يفرضها، فوق كل اعتبار، فهو مهّد وساعد السعوديين على تسوية قضيّة خاشقجي، ولم ينشر وثائق تركيّة تثبت مسؤولية السعوديين في عمليّة القتل. سيقبض اردوغان ثمنها استثمارات وتوظيف اموال سعوديّة في تركيا التي بدت في السنوات الماضية مساحة جاذبة للسعوديين، سياحة وتجارة وامتلاك عقارات.

انها مصالح الدول التي وجد فيها بن سلمان الخاصرة الرخوة، فاستطاع ان يفرض شروطه، وان يتفوّق على الاميركيين والاتراك معا، وألاّ يسمح لأيّ عاصمة أخرى بإنتقاده. فهل تتوقّف الأخطاء السعوديّة عند هذا الحدّ؟ وهل يبقى الابتزاز الاميركي قائما؟ والى متى؟ الأجوبة تحدّدها الفترة المقبلة.