كل المؤشرات في الساعات القليلة الماضية دلّت على امر واحد وهو ان ​الحكومة​ باتت قاب قوسين او ادنى من الاعلان عنها، ومنهم من ذهب الى وضع حدّ لا يتخطى الساعات الثماني والاربعين من اجل تصاعد الدخان الابيض من مدخنة قصر بعبدا.

ولاننا في لبنان، ولاننا اعتدنا على عدم سير الامور بطريقة طبيعيّة خصوصاً منها الاستحقاقات المهمّة، لا يزال هناك مجال من الشك في الغرق بالتفاؤل، ويترك الكثيرون الباب مفتوحاً امام احداث اقليمية او دولية قد تضع كل الزخم الذي شهدته الساحة المحلية والحكومية على وجه التحديد، في مهب الريح. اما في حال صدقت التوقعات وسارت الامور بطريقة سلسة ووفق ما هو متوقع، فلن ينقضي هذا الاسبوع الا وتكون الحكومة قد شكّلت وتم الاعلان عنها، ليبقى لغز واحد بعدها وهو لمن سيعزو اللبنانيون الفضل في عملية التشكيل؟.

تتركز الاضواء على اربع جهات اساسية معنيّة بالموضوع الحكومي وما شهده، وبالعراقيل التي تسيّدت ساحة تأليف الحكومة:

-الجهة الاولى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون: سيعزو الكثيرون الفضل في عملية التشكيل الى رئيس الجمهورية، خصوصاً بعد ما شهده قصر بعبدا في الساعات القليلة الماضية من لقاءات ومشاورات، واهمها الزيارة التي قام بها كل من النائب ​طلال ارسلان​ ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​، بحيث بدا وكأن الرئيس عون عاد بصفة المرجع التوافقي حتى بالنسبة الى من هاجمه واعتبره منحازاً، واسترجع اهمية منصب الرئاسة الذي يهمه الجمع بدل التشتيت. كما ان اللقاءات والاتصالات التي اجراها رئيس الجمهورية في الداخل والخارج (ومنها على سبيل المثال لا الحصر مع الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ وخط التواصل المفتوح مع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​)، شكّلت تمهيداً لارضية تلاقٍ بين مختلف الاطراف من اجل الوصول الى الهدف المنشود.

-الجهة الثانية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري: لن يكون النائب سعد الحريري بعيداً عن تلقي التهاني لجهوده في ابصار الحكومة النور (في اي وقت ستبصره). وسيقول مؤيدوه انه تحمّل الكثير، ووصل الى حافة الاستقالة قبل ان يحزم امره ويكمل في مسيرته التي قبلها من النواب الذين سمّوه ومن رئيس الجمهورية الذي كلّفه. ولا شك ان قيوداً عدة كانت تكبّل الحريري ان من ناحية "التمنيّات" الخارجية، او من ناحية الشروط الداخليّة التي اوجبت في نهاية المطاف ان تحصل تنازلات من قبله ومن قبل غيره من اجل ولادة الحكومة. وسيتم التركيز دائماً على التفاؤل الذي كان يبديه الحريري في كل الاوقات، حتى في خضم تصاعد الخلافات والسجالات واحتدامها في الشأن الحكومي، وهو عامل سيعتبره الكثيرون سبباً كافياً لكي يكون الفضل للحريري في ​تشكيل الحكومة​.

-العقدة الدرزية: هي التي تشكلت بفعل الخلاف المتنامي بين ارسلان وجنبلاط، والذي هدد في وقت من الاوقات بـ"تطيير" التهدئة في الجبل. وسيكون الاثنان مرشحان ليكونا بطلي الفضل في تشكيل الحكومة، بعد ان قدّم كل منهما "تنازلاً" لتسهيل المهمة، كما ان البعض سيرى في خطوة جنبلاط تلبية دعوة عون الى قصر بعبدا رغم التباعد الكبير في وجهات النظر والكلام الذي قيل، دليلاً على حرص الزعيم الدرزي على الوحدة والتضامن.

-العقدة المارونية: سمّيت في فترة من الفترات "أم العقد"، وكانت سبباً في غموض كبير حول مصير "اتفاق معراب" بعد ان نعاه البعض وابقاه البعض الآخر في غرفة العناية الفائقة، كما كان سبباً ايضاً لتقارب مهم بين "القوات اللبنانية" وتيار "المردة"، وتقارب كبير آخر بين "القوات" والاشتراكي. ولم يكن من السهل ايجاد حلّ لهذه العقدة التي كانت تنمو وتضطرد مع مرور الوقت، وجذبت اليها عون والحريري ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ و"حزب الله" في مرحلة من المراحل وقوى اقليمية ودولية. وعند تذليل هذه العقبة، سيتأكد ان الفضل سيكون لها في تشكيل الحكومة، لأنّ الجميع بمن فيهم بري اعتبر ان حلها سيكون المدخل الرئيسي لانتهاء الازمة الحكومية.

مع اقتراب ابصار الحكومة النور، سيكثر من يدّعي أبوّتها، ولكن مع الوقت سيبدأ هؤلاء الآباء بالتهرّب من مسؤولياتهم وسيعتبرون انهم غير معنيين بها، دون ان يغادروا مركبها. ولا يهم لمن سيكون فضل التأليف، انما من المهم معرفة لمن سيكون فضل حلّ الامور والمشاكل العالقة.